فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر الجمال، ولم يقل له: أنا لا ألبس الجميل أنا متواضع أنا أريد الزهد، فالزهد لا يدخل في هذا، بل أقره على هذا المبدأ ولكن أنكر عليه الحلة التي من حرير، وقال: {إنما يلبس هذه من لا خلاق له} قال أهل العلم: من لا حظ له عند الله في الآخرة؛ لأن الكافر يأكل ويشرب بالحلال والحرام، ولكن يلقى الله ولا نصيب له عند الله.
والرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يحرم اللباس الجميل، وقد يظن بعض الناس أنه إذا استقام والتزم في الإسلام، فعليه أن يلبس ثوباً ممزقاً، وغترة قذرة، وأن عليه ألا ينظف حاله، ولا يظهر بالجمال، وهذه دروشة لا يعترف بها الإسلام، وأين الجمال إلا في الإسلام؟! وأين الروعة إلا في الإسلام؟! وأين النظافة إلا في الإسلام؟! وأين القوة إلا في الإسلام؟!
أما رأيت الله كيف جمل الكون؛ وعند الترمذي بسند حسن: {إن الله جميل يحب الجمال} وعند مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال رجلٌ يا رسول الله: {إني أحب أن يكون لباسي جميلاً، ونعلي جميلة، أفمن الكبر ذلك يا رسول الله؟ قال: لا.
إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس} بطره: رده ودحضه، وغمط الناس: أي: ازدراؤهم واحتقارهم.
فالكبر لا يدخل في اللباس، والروعة لها مقام في الإسلام، ولذلك كان ابن عباس يلبس حلة بألف دينار كما في ترجمته، فقالوا له في ذلك، قال: أريد أن أظهر نعمة الله عليَّ، وأعز دين الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام.
وكان مالك بن أنس يلبس أحسن الحلل، وهو من أتقى الناس، فقالوا له في ذلك، قال: أريد أن أنصر هذا الدين بهذا اللباس، ليقف بمنظر الإسلام منظراً عزيزاً جميلاً يحبه الله ويرضاه.
إذاً قال له صلى الله عليه وسلم: {إنما يلبس هذه من لا خلاق له} فعاد عمر بالحلة؛ لأنها محرمة، ولم يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى يبين لهم، وأتى يعلمهم الحلال والحرام.
وبعد فترة دعي عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام دائماً يعيش مع أبي بكر وعمر في مشاوراته وجلساته وسمراته، دائماً يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فهو يحب الشيخين حباً جماً؛ لأن بهم بني الإسلام بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: {رأيت البارحة كأن الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، ومر علي عمر بن الخطاب بقميص يجره في المنام، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ -ما معنى ذلك؟ وما تفسير ذلك؟ - قال: الدين} دين عمر رضي الله عنه يستره ظاهراً وباطناً، ولذلك من رأى عليه قميصاً في المنام، قال أهل العلم: فتأويله الدين، فإن رآه قصيراً فلقصر دينه، وإن رآه قذراً فلغش في تدينه، وإن رآه أبيض طويلاً فلصلاحه ولخيريته إن شاء الله.
ويقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: {رأيت البارحة كأنني أشرب من لبن، حتى رأيت الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم} أي: علم الخشية، وعلم قال الله ورسوله.
ولذلك كان عمر من أعلم عباد الله بالله، والعلم في الإسلام معناه: الخشية، ولذلك كان يكفكف دموعه دائماً من خشية الله، لا يسمع الآية إلا ويتأثر، وذكر عنه المؤرخون أنه كان إذا صلى الفجر وقرأ سورة يوسف، لا يسمع الناس إلا نشيجه وبكاءه من القراءة، فهذا العلم هو الذي فسره عليه الصلاة والسلام يوم فسر اللبن في المنام، فلما أُتي الرسول عليه الصلاة والسلام بحلة، دعا عمر بن الخطاب، وقال: خذها، فقال: يا رسول الله أتيتك بحلة عطارد وقلت فيها ما قلت، واليوم تعطيني هذا الحلة فقال: {إني لم أعطك إياها لتلبسها، ولكن لتبيعها أو تكسوها} فلا يشترط في الهدية أن تلبسها، لكن بعها أو أهدها، قال أهل العلم: أي لغير الرجال المسلمين.
وعند الإمام أحمد بسند جيد في المسند، وعند النسائي كذلك بسند آخر، عن علي رضي الله عنه وأرضاه، قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وأخذ قطعة من ذهب بيده اليمنى، وقطعة من حرير بيده اليسرى، وقال: {هذان حلالٌ لإناث أمتي، حرامٌ على ذكورها} فليعلم هذا، فالذهب والحرير بأنواعه حلالٌ للنساء، خلافاً لمن قال: لا يجوز لبس الذهب إلا مقطعاً؛ لأن هذا الحديث متقدم، وخلاف إجماع أهل العلم في إباحة الذهب للنساء، فهذا أمر.