{قال أحدهم: لن ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم -الصخرة مطبقة، والليل دامس، والقريب بعيد، لا طعام ولا زاد-؛ فقام الأول فاستقبل قبلتهم وقال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران - أب وأم عجوزان، أكل عليهما الدهر وشرب، شابت نواصيهما، واحدودبت ظهورهما، وقاربهما الفناء- اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً -والغبوق عند العرب: اللبن يُشرَب في المساء، أي: لا أقدم عليهما أحداً من الناس حتى أطفالي، أي: مِن بِرِّي بوالدي لا أقدم أحداً من الناس عليهما- وإنك تعلم -يا رب! - أنه نأى بي طلب الشجر يوماً من الأيام -أي: ذهبت أرعى في الصحراء إبلي وما أتيت إلا بعد أن ناما- فلم أَرُحْ عليهما إلا بعد أن ناما، فحلبت غبوقهما، وأتيت إليهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما -يا للبر! يا للسماحة! يا للين! من يفعل هذا منا مع أبيه وأمه؟ وقف باللبن والكوب في يده وأبوه وأمه نائمان، والصبية يتضاغون عند قدمه من الجوع، أبناؤه وفلذات كبده وشذا روحه وقلبه يتضاغون عند قدمه يريدون اللبن في الإناء- قال: فلم أوقظهما ولم أسق الصبية حتى طلع الفجر -من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر والإناء في يده واللبن فيه، والصبية يتضاغون عند قدمه يكادون يتفطرون من السغب، وكره أن يوقظ أباه وأمه لئلا يعكر عليهما المنام- فلما استيقظا سقيتهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه}:
ثلث الصخرة انفرج، صخرة مدلهمة عظيمة تحركت بقدرة الله، ولكن لا يستطيعون الخروج لأنه بقي اثنان لهما دعاء.