سمع الرسول صلى الله عليه وسلم الخبر وكتمه في نفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم أتقى وأبر وأخلص وأطهر وأصدق منا، فسكت وحاول أن يلم الخبر، لكن سرى الخبر وراج في المدينة حتى أن بعض المفكرين العصريين يقولون: أعلنت في المدينة حالة الطوارئ لمدة شهر.
فوصل عليه الصلاة والسلام المدينة وأما عائشة فما علمت بالخبر:
حور حرائر ما هممن بريبة كظباء مكة صيدهن حرام
يحسبن من لين الكلام روانياً ويصدهن عن الخنا إسلام
قالت: وصلت إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها مرض الحمى من السفر، قالت: فأنكرت اللطف من الرسول عليه الصلاة والسلام، كان إذا مرضت عائشة يكون لطيفاً حبيباً يمرض المريض، ويمسح على رأس اليتيم، ويجالس العجوز، ويحمل عن المسكين: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم} [التوبة:128].
لكن أتى الخبر في نفسه كما قال الأول:
قد قيل ما قيل إن صدقاً وإن كذباً فما اعتذارك من قول إذا قيلاً
فقالت: فما وجدت ذاك اللطف وما كان يسأل عني إلا أن يمر عليَّ في البيت، ويقول: {كيف تيكم} أي: كيف حالها، فيخبرونه فأنكرت عائشة موقفه عليه الصلاة والسلام لأنه تأثر:
إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه
ولكنها والله طاهرة وبريئة وصادقة، وإنها من المزكيات من الله الواحد الأحد من فوق سبع سماوات، فلما أنكرت حاله، قالت: يا رسول الله! ائذن لي أن أمرض في بيت أبي وأمي، فأذن لها، فحملها النساء إلى بيت أبيها وأمها فبقيت تمرض هناك شهراً كاملاً لا تدري من الخبر شيئاً، أما أبوها أبو بكر الصديق فبقي يبكي الليل والنهار، سبحان الله! صديق الإسلام يصل إلى هذه الدرجة، المخلص المنيب الذي دفع للإسلام وقته ودمه ودموعه وماله وكل شيء، وكذلك أمها بقيت تبكي لكنهم يكتمون عنها البكاء لكي لا تتأثر.