هذه القصة رواها البخاري عن أجلة من أجلة التابعين لعظم هذه القصة، قال الزهري الإمام المعتبر المحدث الشهير حدثني بها سعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبه، وهؤلاء أجلة التابعين.
أما سعيد بن المسيب فلا تسأل عن سيد التابعين شبه إجماع أنه سيد التابعين، رجل ذهبت عينه اليمنى من كثرة بكائه من خشية الله في السحر، قالوا له: اخرج إلى العقيق لترى الخضرة ولترى الراحة والأنس، قال: [[سبحان الله! كيف أخرج إلى العقيق فأفوت صلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف صلاة]] لما حضرته الوفاة، قال لأهله: [[لا تبكوا عليَّ، فما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة، أو ما أذن المؤذن إلا وأنا في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام منذ أربعين سنة]].
سعيد بن المسيب الذي يجلس في المسجد من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر وعليه ثياب بيضاء يسبح حتى يؤذن للظهر، كان أصبر الناس في العبادة، إذا انتصف الليل قام وأيقظ أهله، وقال لنفسه: قومي يا مأوى كل شر، وإنما أذكر هذا قصصاً لشبابنا وشيوخنا علهم أن يجعلوا من سعيد بن المسيب وأمثاله قدوة وأسوة في الحياة.
أما عروة بن الزبير فهو الذي كان يختم القرآن في أربعة أيام، وقد أصابته الآكلة في رجله فقطعوها من القدم، فمضت فقطعت من الركبة ثم من الفخذ، ولما أرادوا قطعها، قالوا: نسقيك كأساً من الخمر لعل عقلك أن يذهب لئلا تجد ألم القطع، قال: لا والله ما كنت لأذهب عقلاً منحنيه الله، ولكن إذا توضأت ودخلت في صلاتي، فاقطعوا رجلي فإني لا أحس بذلك، فلما توضأ ودخل في الصلاة قطعوا رجله ففقد وعيه وبقي ساعات ثم استفاق، فقالوا: أحسن الله عزاءك في رجلك وأحسن الله عزاءك في ابنك فقد رفسته دابة فمات، قال: [[اللهم لك الحمد؛ إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، أعطيتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً، وأعطيتني أربعة أعضاء وأخذت عضوا واحداً، فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا]].
أما عبيد الله بن عبد الله بن عتبه فهو من رواة الصحيحين، والسنن والمسانيد، وهو شيخ عبد الله بن المبارك وقد كان أعمى لكن في قلبه نور: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] هو الذي خرَّج عمر بن عبد العزيز ورباه في مدرسة التوحيد فأخرجه خليفة للمسلمين، كان عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس ينتقص علي بن أبي طالب، فسمع شيخه عبيد الله أنه ينتقص علي بن أبي طالب، فقال: يا عمر بن عبد العزيز! متى علمت أن الله غضب على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ قال: ما علمت، قال: متى علمت أن الله غضب على أهل بيعة الرضوان (أهل الشجرة) بعد أن رضي عنهم؟ قال: ما علمت، قال: فإني سمعت أنك تسب علياً رضي الله عنه وأرضاه وعلي من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان، فقال: فإني أشهد الله ثم أشهدك ألا أسبه بعد اليوم.
هؤلاء يروون القصة عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، صاحبة القصة وصاحبة الحسرة والأسى، وصاحبة اللوعة والتهمة في العرض، اتهموها في شيء ليته بالبخل، وليته بالجبن، وليته بنميمة أو بغيبة أو بدمامة، لكن اتهموها بكلمة لو وضعت هذه الكلمة على الجبال لذابت: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] اتهموها أنها زنت عصمها الله وشرفها وبرأها، تروي القصة وهي قصة الإفك وسوف أستعرضها.