الابتلاء سنة كونية على المؤمنين

الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وإمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بَعْد:

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم باليمن والمسرات، وجمعنا بكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وثبتنا وإياكم على كلمة التوحيد، الكلمة الخالصة التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام.

أيها المسلمون: عنوان هذه المحاضرة: شهر من الأسى واللوعة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام.

عاش صلى الله عليه وسلم في حياته شهراً كاملاً، كل هذا الشهر في هم وقلق وحزن وأسى، واحتراق ولوعة وفراق، هذا الشهر كما يقول بعض العلماء، أوقف الرسول عليه الصلاة والسلام على أعصابه، وقصة هذا الشهر يسوقها الإمام البخاري، وقد سبقت في مناسبات لكنها تعرض اليوم في قالب من الابتلاء الذي يتعرض له الصالحون.

وكثيراً ما نرى ونسمع كثيراً من الأسئلة من الشباب الملتزم وهم يشكون ما يلاقون من أذية واستهتار، ونقد مرير، وجرح غير مسئول ولا بنَّاء، يوجهه إليهم العابثون اللاهون اللاعبون، شاب يستقيم فيرمى بالتطرف والتزمت والتأخر والرجعية، وعدم الفهم للدين، وعدم التصور للإسلام الصحيح، فلا ندري ما هو الإسلام الذي يريده المنحرفون، هل يريدون أن يسير دين الله هزواً ولعباً؟ ولعلكم قرأتم وسمعتم بعض ماكتبه بعض المفكرين، وكيف تعرض لشباب الصحوة بسبب وبغير سبب ويأتي بقصص غير صحيحة.

أنا أجزم جزماً صحيحاً أنها ليست بصحيحة، كقوله أحياناً: لقيني شاب مستقيم في الإمارات فسألني عن الكلونيا، وهو لم يلق شاباً في الإمارات وما سأله عن الكلونيا، لكنه يريد أن يعلق، فينزل بخنجره على الشباب الملتزم، ويقول في التعليق: صعد الناس القمر، وهؤلاء الشباب لا زالوا يسألون عن الكلونيا، وهل إذا تركنا الكلونيا وحكم الكلونيا نصعد إلى القمر؟!

ويقول في مناسبة أخرى: رأيت شاباً ولحيته كثيفة، سبحان الله! وهل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا كانت عليه لحية كثيفة؟

وهل جمال المسلم إلا بلحيته وهل هذه إلا سنة أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم؟

أكان صلى الله عليه وسلم مربياً للحيته أم حالق لها؟ أما ربى أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحسان، ومعاذ، وسعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وصلاح الدين، وابن تيمية، وابن القيم، وأحمد، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي أما ربوا لحاهم؟ أو ليس الأصل تربية اللحى وخلاف الأصل حلق اللحى؟ فلماذا يصبح الشاب متهماً لأنه ربى لحيته، أو لأن عليه لحية كثيفة؟

ثم يقول في معرض كلام آخر: رأيت شاباً له ثوب قصير، فقال له هذا المفكر: إن الإسلام ليس في هذا الثوب القصير، يا سبحان الله! هذا الشاب اهتدى وأخذ تعاليمه من محمد عليه الصلاة والسلام، أتلومه لأنه قصر ثوبه وطبق السنة؟!

ويقول في معرض كلام آخر: رأيت شاباً آخر يهاجم الغناء ويدعي أن الغناء محرم، ومن حرم الغناء؟! ولم يعلم هذا أن الذي حرم الغناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقول لهذا المفكر: سامحك الله وعفا عنك، لماذا لم تهاجم أعداء الله من اليهودية وأذناب الصهيونية، والشيوعية؟ أما وجدت حرباً إلا مع هؤلاء الشباب؟ ولكن نقول: إن الله معنا وإن هذا من الابتلاء قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3]:

حسدوا الفتى أن لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها بغضاً ومقتاً إنه لدميم

وإنه لجميل لكن هكذا البغي والمقت.

ولذلك روي في بعض الآثار -والله أعلم- أن موسى قال لربه: {يا رب! أسألك مسألة، قال: ما هي يا موسى؟ قال: أن تكف ألسنة الناس عني -لا يتكلمون فيَّ- قال الله: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي، فإني أخلقهم وأرزقهم وإنهم يسبونني ويشتمونني} وفي البخاري في رواية أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قال الله تبارك وتعالى: يسبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، ويشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، أما سبه إياي فإنه يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي، فيقول: إن لي صاحبة وولداً ولم أتخذ صاحبة ولا ولداً.

ولذلك ينقل الألوسي في الرد على النبهاني كلام النصارى في الله عز وجل، يقول: لما غضب الله نزل من على عرشه على ساحل البحر يبكي، تبارك الله عما يقولون علواً كبيراً!: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:5] استهتروا بموسى حتى شكا وبكى على الله فنصره الله قال الله له: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:69].

وتعرض إبراهيم وعيسى ونوح ومحمد عليهم الصلاة والسلام للأذى، قالوا في الرسول الذي ما خلق الله أصدق ولا أبر ولا أنصح ولا أفصح منه: شاعر وكاهن، وقالوا: مجنون، وقالوا أقاويل لا يصدقها العقل ولا النقد، ومع ذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:3] وهؤلاء الملتزمون المستقيمون أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، لو ذهبوا فمن يغطي هذه الساحة؟ أمروج المخدرات هو الذي يحل محلهم؟ أبايع الأغنيات الماجنة الذي باع حياته بثمن بخس؟ أعاق الوالدين وقاطع الرحم المستهزئ بالسنة والمستهتر بتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يحل محله؟

ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان

لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني

ويقول الشاعر العربي الآخر لأخيه الذي يستهزئ به:

فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني

وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني

فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني

إذاً لقطعته ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015