المسألة الثالثة: أن نتعبد الله عز وجل بالعلم، وأن نسأله من فتوحاته، وأن نلتجئ إليه كثيراً وأن نكون عباداً له.
ابن تيمية منذ أن كان عمره عشر سنوات، قال أهل العلم: إنه كان يخرج في السحر قبل صلاة الفجر، فيمرغ وجهه في التراب، ويقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني.
هل رأيت شاباً يرفع يديه قبل الحصة أو قبل أن يدخل ويسأل الله الفهم، هل رأيت شفتين تتمتم بذكر الله، هذا موجود والحمد لله، لكن نريد أن نكون كلنا عباداً لله، نتلقى هذا العلم عبودية كأننا في المسجد، والله! إذا لم يفتح الله عليك فلن يفتح عليك أحد من الناس، وإذا لم يهدك الله -فوالله- لن تجد إلا الضلال، وإذا لم يغفر الله ذنبك فلن يغفر لك أحد.
فيا أيها الإخوة! الله الله في مراقبة الله عز وجل، وفي تعبده بهذا العلم، وقد ذكرت في العنصر الثاني كيف تظهر العبودية على الجوارح، وقد وجدت نغمة في المجتمع والرأي العام تقول: إنه لا يلزم الإنسان أن يتشنج بالدين، وأن يأخذ الدين بعروقه وأوراقه بل يكفيه من الدين شيئاً ظريفاً ليكون مثلما يسميه سيد قطب إسلاماً أمريكياً، أن يدع شيئاً ويأخذ شيئاً، دين مرقع: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85].
يا مدعٍ حب طه لا تخالفه فالخلف يحرم في دنيا المحبينا
أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا
خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا
يا أيها الإخوة! إن الذي أتى بلا إله إلا الله هو الذي أتى بتفصيل الثياب فوق الكعب.
والذي أتى بلا إله إلا الله هو الذي أمر بإعفاء اللحى، وأتى بالسواك، وبالمنهج الخالد المؤرخ الذي ما طرق العالم مثله، وأتى بالقرآن، وبالأدب والسلوك، والحياة، وبإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وأتى بحياتك في كل منحى من الحياة.
والرسول عليه الصلاة والسلام شخصية أمامك لا بد أن تجعله في ذهنك حياً، لا تفعل شيئاً حتى تسأل هل فعله صلى الله عليه وسلم، أما أن نقبل إسلاماً مرقعاً فنقول: يكفيني أن أصلي، أما هذه الأمور فهي قشور.
فهل أصبحت تفتي وتثلم الدين وتكسر الإسلام، الذي هو صورة كاملة، فتأخذ منه ما شئت وتترك منه ما شئت؟ لا.
والله هذا جحود للنعم، وتنكر للجميل، وسوء فهم للرسالة الخالدة التي أتى بها الرسول عليه الصلاة والسلام.
فأنا أدعوكم -أيها الإخوة إلى- الاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم بالسنن، ووالله! لا أحسن ولا أجمل عند الأب وعند المجتمع وعند الرأي العام؛ من أن يروا الإنسان مستقيماً، لا تستمع للدعوات التي تهاجم رجال الدين فليس عندنا في الإسلام رجال دين، فهذا في الكنيسة، وقد وجد من الذين لا يفقهون، أو عنده التخلف العقلي الذهني العفن أنه يحارب الدعاة أو المستقيمين، وهذا ليس بصحيح، بل استقرأنا من حياة الناس ومخالطة كثير من الدعاة والرأي العام، ودخول بعض السجون، أن الشاب المستقيم له صورة معظمة عند الجميع، عند السلطان وولاة الأمر والرأي العام، وعند الجندي في الشارع، والأستاذ، وعند كل طبقات الناس لأنه مستقيم، ولماذا؟ لأنه حفظ الله، أما الإنسان الذي لا يحمل هذه المبادئ فهو فاسد ولو احترم فمجاملة.