من سننا أيها الناس يوم العيد:
أن نخرج إلى الصحراء، والسر في هذا الخروج بعد أن نترك العمارات، والفلل، أن الصحراء تعرفنا ونعرفها، وتحبنا ونحبها، يوم سجدنا على ترابها آلاف السجدات لله، ويوم بنينا عليها آلاف المساجد للحي القيوم، ويوم أدخلنا في ترابها آلاف الشهداء، فحق علينا أن نعود إلى الصحراء مرة ثانية.
ونخرج يوم العيد يا أيها الناس! مهللين مكبرين، نقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، نكبر يوم العيد لتكون العظمة والقداسة والاحترام كل الاحترام لله؛ ولئلا يشعر بعض الناس أننا لا نعظمه ولا نحتفل به في مثل هذا اليوم، فنقول له: لا.
لا كبير، ولا عظيم، ولا كريم إلا الله، فنقول: الله أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، وأكرم من كل كريم.
ونخرج يوم العيد: فنلبس ثيابنا الجديدة الجميلة؛ لأننا أهل الجمال، زرعنا الجمال، وسقيناه، وأنبتناه، وقطفناه، فلا جمال إلا في ديننا، والله ربنا جميل يحب الجمال، طيب يحب الطيب، لا نعترف بالدروشة، ولا نقر بالخرافة، ولا نتحاكم إلى التزمت.
نظهر بالجمال في المبادئ والأفكار، ونظهر بالجمال في العقائد والمنقولات والأخبار، ونظهر بالجمال في الشعار والدثار، فنحن أهل الجمال، ولا يسبقنا إليه حي.
نلبس وقت الفاقة ووقت المجاعة: الصبر والرضا، ونلبس وقت الغنى ووقت الحبور والسرور: الشكر والثناء، ووقت الأعياد: الجمال والحبرات والمظاهر الحسنة، ونلبس وقت الجهاد: الدروع والرماح والسيوف على مبدئنا:
البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بوسها
ونخرج يوم العيد فنصلي ركعتين، ويخطب إمامنا يوم العيد ليعلن مبادئنا في الصحراء؛ لا أسرار فيها ولا ألغاز، بل هي واضحة وضوح السماء، صريحة صراحة الصحراء، صافية صفاء الفضاء، فمن أراد أن يسمع مبادئنا فليسمعها في هذا اليوم، ومن أراد أن يستقرئ أخبارنا فليستقرئها يوم العيد وليسمع ماذا سوف يقول الخطيب.
ونخرج يوم العيد جماعات؛ لنعلن المحبة والتآلف والتناصر والتعاون، ونشجب الخلاف والفرقة، فمهما اختلفنا في الفرعيات، فإننا نتفق في الأصول، والمبادئ، والأسس والقواعد، فكأننا نقول لأعداء الإسلام، ولمن يريد الكيد للإسلام: هانحن عدنا مرةً ثانيةً متآلفين، متآخين، متحابين:
إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها
ونخرج يوم العيد من طريق ونعود من طريق أخرى؛ لنقول للفقراء: هانحن نلاحقكم في كل طريق، ونتابعكم في كل مكان؛ لنرفع من جوعكم؛ لأن ديننا لا يقر مبدأ التمايز، بأن يسكن إنسان في الطابق العاشر يطاف عليه بصحافٍ من ذهب، ولحم طير مما يشتهون، وفاكهة مما يتخيرون، وينام صنف آخر على التراب لا يجد كسرة الخبز، ففي أي شريعة هذه؟!! أفي شريعة حمورابي! أم في قوانين نابليون! أم في خزعبلات هتلر!
إن محمداً صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يخرجون يوم العيد ومعهم الفقراء، ويعودون ومعهم الفقراء، ويشبعون ويشبع معهم الفقراء، ويجوعون ويجوع معهم الفقراء.
ونحن في يوم العيد: لنا أن نروح عن أنفسنا بشيء من الدعابات، والأشعار، ومن طيِّب الأخبار، ومن نكات السمر مع الإخوان والسمار؛ بشرط أن تكون في حدود الوقار، لا نثلم فيها عرضاً، ولا ننتهك فيها كرامة، ولا نفضح فيها مستوراً.