مصادر العلم عند المسلمين أصبحت ملوثة، ليس هناك قناة واحدة تستمد الأمة منها تصورها العقدي، الذي يذكره مثل سيد قطب في معالم في الطريق.
كان السبب في قوة إيمان الصحابة أنهم كانوا لا يأخذون الخبر والتفكير إلا من الكتاب والسنة، ما هي مكتبة أبي بكر وعمر؟ هل تجد فيها كتباً إذا دخلت؟ لو دخلت بيت عمر لوجدت المصحف معلقاً في ناحية من البيت والسيف في الناحية الأخرى، المصحف يفتح به العقول، والسيف يفتح به القلاع والجماجم.
ولذلك تنورت أفكارهم، وأثَّروا في العالم تأثيراً عظيماً.
مايكل هارف، يقول عن عمر في كتاب: الأوائل (ص166): كان لهذا الرجل أعظم تأثير في تاريخ الإنسانية، إذ فتحت معظم الأقاليم في عهده.
بماذا؟
بلا إله إلا الله والسيف، بالبردة الممزقة، وببطنه الذي كان يقرقر من الجوع فيخاطبه ويقول: [[قرقر يا بطن أو لا تقرر والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]].
فماذا فعلنا في تاريخ الإنسانية، وقططنا تشبع من لحوم الدجاج، وتموت حبطاً في القمائم والزبالات؟!! ماذا أثرنا في تاريخ الإنسان؟ لا شيء؛ لأن مصادر التلقي أصبحت كثيرة: مسلسل مهدم وفيديو مخرب وأغنية ساقطة ومجلة خليعة؛ آية تدخل بين آلاف المسلسلات، حديث يدخل بين عشرات الأغنيات.
فأصبح الناس يتلقون من هنا وهنا، وأصبح كثير من المبهوتين فكرياً يقولون: ساعة لربك، وساعة لنفسك.
وأصبح بعضهم يقول: مرة نغني ومرة نقرأ، مرة نبكي ومرة نضحك.
فأصبح الدين شذر مذر في حياتهم، وهذا هو التلوث الفكري، والمتأمل في القرآن يجد أن الله عز وجل يعيد الصحابة إلى مسألة قد تكون بسيطة عندنا، وينبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:104].
والمقصد من هذا ألا تشابه الكفار بالتلفظ بكلمات موهمة ومشابهة لكلماتهم، فكيف بمن اعتقد اعتقاداً كاعتقادات الكفار، أو حمل فكراً كفكر أعداء الله عز وجل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يريد الأمة أن تكون مستقلة في فكرها ومظهرها، وفي كل شيء.
وكان اليهود لا يصلون بالنعال، فقال صلى الله عليه وسلم: {خالفوهم فصلوا في النعال} {فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحر} حديث صحيح.
إذاً فالمخالفة مقصودة، ويوجد كتاب لـ ابن تيمية هو كتاب: (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم) وذلك حتى تكون أنت بتفكيرك مستقلاً عن تفكير هؤلاء الضائعين التائهين، ترى كل أهل الأرض مخطئين إلا أنت، وكل من على المعمورة على باطل إلا أنت وحدك يا مسلم، لأنهم إذا أخذوا عقيدتهم من التراب والطين، أخذت عقيدتك من رب العالمين، وإذا أخذوها من الشياطين، أخذتها من لافتة إياك نعبد وإياك نستعين.
مكامن التلوث الفكري أن يخرج لنا أناس يسيئون إلى المعتقد وينالون من الرسالة، من أنتج هذه القنوات التي أوصلت إليهم الثقافة، وهناك صحيفة من الصحف، في الصفحة اليمنى فتوى لأحد العلماء ويسأل على السحَّاب للمرأة هل يصلح من صدرها أو من ظهرها؟
هل يجوز -يا فضيلة الشيخ- أن يكون سحَّاب المرأة من ظهرها أو من صدرها؟ قال الشيخ -وجزاه الله خيراً وقد أصاب- لا بأس بهذا إذا لم يكن فيه مشابهة للكافرات، لا بأس أن يكون السحاب من أمامها أو من خلفها، وفي الصفحة اليسرى لدغ لشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشباب الصحوة، وأهل لا إله إلا الله، وتعجب من هؤلاء لا يسألون إلا عن عدة الحائض والغسل من الجنابة، والسحَّاب من أمام أو من الخلف!! أما مسألة لا إله إلا الله أو المنهج الرباني، وإعادة الأمة إلى الله، ومسألة النبوة والولاية الكبرى فلا يسألون عنها!! هل سمعت أنهم يسألون عن مسألة الولاء والبراء، أو التوكل على الله، أو استقلالية الأمة، أو منهج الأمة الرباني، أو الحاكمية؟! لا يسألون!!
وأعظم الأسئلة في السحّاب والحيض والجنابة، وأنا لا ألوم الشيخ، ولكن ألوم نفسي
لترم بي المنايا حيث شاءت إذا لم ترمِ بي في الحفرتين