نحن أمة عندها لا إله إلا الله باللسان، والادعاء ويوم أن أتت الأزمة ظهر الخواء العقدي الذي تعيشه الأمة في ضميرها ومقدراتها، وكان هذا خطأً معلوماً، ودفعنا ضريبته ونتائجه وديونه من دمائنا وعرقنا وأموالنا، بسبب الخواء العقدي في أمة حسبنا الله ونعم الوكيل، ولم تكرر الأمة نفسها وتاريخها مرة ثانية في هذه الأحداث، وإنما كانت خائفة مذعورة، لا تدري إلى أين تلتجئ، والله تعالى ذكر أولياءه وقال فيهم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173].
والمطالع للمنهج العقدي للرسول صلى الله عليه وسلم في (الفتح الرباني) وهو يعرض العقيدة على أصحابه، فإذا المجلس الواحد يجعل الصحابي يشتري الجنة في جلسته، ويقول: الله أحب إليه من كل شيء.
وخذوها قاعدة: إن الله سبحانه تعالى إذا أراد أن يرسل رسله عليهم الصلاة والسلام، يترك الرسول أربعين سنة، هل سمعتم برسول بعث قبل الأربعين؟ لا لماذا الأربعون تسمى أربعين الذكريات وأربعين المصائب وأربعين الابتلاء:
وماذا يبتغي الشعراء مني وقد جاوزت حد الأربعين
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
فسن الأربعين هي درجة أن يصاب الرسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام بالمصائب والكوارث والجوع والقحط، حتى يعلم أنه لا إله إلا الله، فإذا علم الرسول أنه لا إله إلا الله، ولا نافع ولا ضار ولا محيي ولا مميت إلا الله، ولا كاشف للبلوى إلا الله، أرسله الله للناس ليخبرهم أنه لا إله إلا الله.
أما قبل أن يتأهل نفسياً ليقود الأمة والشعب، فلا يمكن أن يرسله الله حتى يتأهل بلا إله إلا الله.
ومن يطالع في مسند أحمد بن حنبل يجد هذه الأحاديث:
عن أبي العالية عن أبي بن كعب، رضي الله عنه، قال: {قال المشركون: يا محمد! انسب لنا ربك -أي: اذكر لنا أباه وجده، تعالى الله عما يصفون- فسكت عليه الصلاة والسلام، فأنزل الله قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]}.
وكان صلى الله عليه وسلم يجلس هو والصَّحابة، وفيهم الأعراب والعلماء، وفيهم القادة والزعماء، وفيهم الشعراء والأدباء، فيقول: {يضحك ربك، فيقول الأعرابي: لا نعدم من رب يضحك خيراً}.
ويقول عليه الصلاة والسلام: {يد الله ملأى سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم ينقص مما في يمينه شيء}.
ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى الصحيح: {إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع له عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل} هذه العقيدة المستشرية التي يناقشها صلى الله عليه وسلم، ويعرضها في إعلامه مع أمته، ومع شعبه، وجيله، ربى منهم شباباً يقفون على الماء يطلبون الشهادة، ويمتطون على الخيول يقدمون جماجمهم للموت.
فالأمة -الآن- قليلاً ما تعيش مسألة العقيدة، وسمعت بعض الناس يقول: (دائما تقول عقيدة عقيدة، الرحمن على العرش استوى، انتهى الأمر، لا عقيدة حتى نموت، ونلقى الله عز وجل، عقيدة تمضي في الدم، نناقشها في كل مجلس ونعيدها ونكررها، والعقيدة ليست المسائل الخلافية بين أهل السنة والأشاعرة أو المعتزلة مع الجهمية المعطلة، لا العقيدة أعظم من ذلك، هي كل القرآن كما يقول ابن تيمية: كل القرآن.
أيها الإخوة الكرام: من تدبر قوله تعالى يوم أرسل الله رسوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:91] قال البخاري: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، وربى جيله على ذلك، ومن تدبر النصوص، يرى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يملأ الصحابي بالمعتقد.
من تداجي يا بن الحسين أداجي أوجهاً تستحق ركلاً ولطما
كم إلى كم أقول ما لست أعني وإلى كم أبني على الوهم وهما
كان أبو الحسن يعيش التوحيد حتى في المعارك، ذكر عنه أنه في صفين كان ينعس على البغلة وهو يبارز الأبطال، وقبل المبارزة بدقائق كان ينعس من النوم، من ينعس؟! أطفالنا الآن أكثرهم لا ينامون من الخوف والهلع، وبيننا وبين المعركة ألف ميل؛ لكن هكذا يربى الناس على الخوف من الموت، والهلع والجبن، فمقصودي أن علياً رضي الله عنه كان يقول: [[والذي نفسي بيده لو كشف الله لي الغطاء ورأيت الجنة والنار، ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]] إيمانه قوي بلغ القمة، من أخمص القدمين إلى مشاش الرأس.