من ذكاء الأستاذ والمعلِّم والمربي أن يمتحن عقول الطلاب، ويسألهم دائماً، ويناقشهم في الدرس الماضي والحاضر، وماذا قرءوا، وأن يخبرهم أنه سوف يناقشهم فيه.
قال أهل العلم: ولا يأتي لهم بالغوامض من المسائل، بل يناقشهم في المسائل الظاهرة المستفادة منها، وقد استدل أهل العلم على هذه المسألة، فقال البخاري: باب طرح الإمام المسألة على أصحابه يختبر ما عندهم من العلم.
قال ابن عمر في الصحيحين: {كنا جلوساً عند الرسول عليه الصلاة والسلام فأوتي بجُمَّار} وهو ذاك الأبيض الذي يأتي في قلب النخلة؛ كالقراطيس البيض، وكالأوراق، هذا يسمى: جمَّار.
وكان الشعراء، يصفون الجبين والخد واللسان والشفتين بالجمار، فطُرح أمام الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الجمَّار، ولعل هذا يكون فيه إشارة إلى أن السؤال سوف يكون قريباً من الجمار، قال عليه الصلاة والسلام: {شجرة مثلها كمثل المؤمن حدثوني ما هي؟
قال ابن عمر: وكنت صغير السن} كان أصغر الناس، فكان يستحي أن يتكلم؛ لأن كبار الصحابة موجودون ومنهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم، وهذا من الأدب.
ونصيحتي -أيها الإخوة- أنه إذا حضر الشيوخ الكبار، والقضاة، والعلماء، ألا يتكلم الإنسان وهو أصغر منهم؛ فيأخذ المجلس عليهم، أو يأتي لهم بسالفة، أو بقصة؛ لأنه جرح للمشاعر، ويوجد من الشباب من لا يقدِّر العلماء والمشايخ، تكون في مجلس ويدخل عليك رئيس المحاكم ولا تقوم له، وتجلس في الصدر وهو في الطرف، وتتكلم وهو ساكت، فهذا خروج عن المألوف، وهذا جرح للمشاعر، حتى ولو أتيت في المكان الفاضل، في الصف الأول، ودخل عليك عالم أو كبير في السن فلك أن تزحزح وأنت مأجور، ولو جلست في الصف الثاني يأجرك الله؛ لأنك آثرته بالقربة في الصف الأول.
فسكت ابن عمر، واستحيى؛ لأن في القوم أبا بكر وعمر قال: {فوقع الناس في شجر البوادي} قال أحدهم: العرعر.
وقال آخر: هو السلم.
وآخر: السدر.
وآخر: الضرفاء، إلى غير ما قالوا.
قال ابن عمر: {فوقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، فلما قاموا أخبر أباه فقال عمر: والذي نفسي بيده لو أنك قلتها، أحب إليَّ من الدنيا وما فيها} يعني: من أجل أن يحتفي بك الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى يكرمك ويقدِّرك، فلم ينتبهوا للجُمَّار، حتى قال صلى الله عليه وسلم: {هي النخلة}.
وأما تعليل ذلك فقد اختلفوا، فقال ابن عربي ذاك المخرف: لأن في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: {أكرموا عمتكم النخلة} والحديث هذا موضوع كذب لا يصح.
وقال بعضهم: لأن أول ما يسقط من النخلة أعلاها، وهذا كلامٌ ساقط.
وقال بعضهم: لأنها خلقت من طينة آدم، وهذا كلامٌ باطل.
والصحيح أن المشابهة بين النخلة والمؤمن، في المنافع في كل أجزائها، وكذلك المؤمن كل أجزائه طيب، كلامه وفعله، وذكره، وشفاعته، وإكرامه، وخلقه، وسلوكه، وكذلك النخلة.
وفيه: من الفوائد العظيمة ما لا يحصى ولا يعد.
ويقولون: إن النخلة أفيد شجرة.
وقد عرض ابن القيم مناظرة بين النخلة والعنب؛ فغلبت النخلة العنب حتى دمغتها.
والصحيح أن أصول الشجر شجرتان: النخل والعنب، وهي مذكورة دائماً في القرآن، ولا تجد في القرآن ذكراً للفواكه الأخرى، كالخوخ والمشمش وغيرها؛ إنما التي تقوم عليها ثروات العالم: التمر والعنب.
ولذلك الآن تذهب إلى أمريكا أو استراليا أو الصين وإلى كل بلاد العالم، تجد أن أكثر السلع: التمر والعنب، وهناك الحبوب وقد ذكرها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في مسألة ما يحصد.
ويقول بعض الشراح: الشبه بين النخلة والمؤمن، أن النخلة إذا رميتها بالحجر أنزلت عليك رطباً، وكان عيسى عليه السلام يقول لتلاميذه وحوارييه: كونوا كالنخلة ترمى بالحجارة فترد رطباً، وهذا مثل المؤمن.
ولقد أمر على السفيه يسبني فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
وقال حاتم الطائي، وهي من أشرف أبياته:
وكلمة غادرٍ من كف لؤمٍ مررت بها فقلت: تجنبيني
يقول: إني قلت لهذه الكلمة: اذهبي عني، وحاتم الطائي أبياته من أحسن ما يكون، وليته أسلم ولكن لله الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْد، وكان أكرم العرب، حتى يقول لامرأته:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي
يقول: إذا ما صنعت الزاد؛ وأحضرت الغداء أو الإفطار أو العشاء، فوالله لا أقدم عليه حتى تأتي بضيف.
وهذا مثل إبراهيم عليه السلام، وليس هذا من حديثنا في شيء، والمقصود أن المؤمن إذا سُب رد بكلام طيب، {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63].