وعن جرير قال: [[ما رآني النبي صلى الله عليه وسلم إلا تبسم]] وهو جرير بن عبد الله البجلي، سيد بجيله، قبيلة من قبائل الجنوب، وهو يوسف هذه الأمة، إذ كان من أجمل الناس، حتى كان عمر يخاف عليه العين، يقول: أنت يوسف هذه الأمة، كان ربما غطى وجهه أحياناً خوفاً من العين أو الافتتان، أسلم وهو شاب، ودعا له صلى الله عليه وسلم بالتثبيت، وشارك في حروب القادسية وأخذ سيفه، وقال: يا بجيلة! قاتلوا هذا اليوم، فوالله الذي لا إله إلا هو لا يفر أحدٌ منكم من المعركة إلا قتلته بهذا السيف، فاختاروا أن تموتوا شهداء في المعركة، أو أن تفروا وأقتلكم وقد ارتددتم على أدباركم.
فكان الواحد منهم يأتي ويقاتل، ويرى الفيلة مقبلة، وكانت فيلة فارس أحدثت دوياً عجيباً وصراخاً هائلاً في جيش المسلمين، حتى قتلت من قبيلة أسد في لحظات خمسمائة رجل.
فيل عظيم أخذ يتعبط في المسلمين، والعرب لا تعرف الفيلة، ولا تربت معها، لا تعرف إلا الخيل والحمير، ليست من سلاحها ولا من منتوجاتها، فكانت أشجع القبائل بجيلة؛ لأن جريراً واقف لهم بالمرصاد، ما يفر بجلي إلا ضربه بالسيف، فيقول شاعرهم، يريد أن يفر، فرأى جريراً واقفاً بالسيف فرجع يقاتل ويقول:
لولا جرير هلكت بجيله نعم الفتى وبئست القبيله
قال المؤرخون: بل نعم الفتى ونعمت القبيلة، جزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء، وبعد ثلاثة أيام دخلوا في إيوان كسرى، إيوان العمالة والضلالة، الذي عشعش فيه البغي والظلم، فدكدكوه، وأنزلوه، وسحبوه، وأقاموا لا إله إلا الله هناك، فهؤلاء هم القوم.