فأتى هاني الخزاعي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {من أنت؟ قال: أبو الحكم، قال: الحكم هو الله، قال: يا رسول الله! إن قومي كانوا إذا اختصموا في الجاهلية أصلحت بينهم فسموني أبا الحكم، قال صلى الله عليه وسلم: هذا شيء حسن، ولكن هل لك من أولاد، قال: نعم.
قال: من أكبرهم؟ قال: شريح، قال: فأنت أبو شريح، فكان يسمى أبو شريح}.
وعند البخاري ومسلم والترمذي: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل مغتسله بعد أن فتح مكة، فدخلت أم هانئ، فقال: من؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بـ أم هانئ} فاستدل بهذا العلماء على أنه لا بأس بالترحاب عند التحية بعد رد السلام، فالرسول عليه الصلاة والسلام كنى أصحابه، وحياهم، ورحب بهم عليه الصلاة والسلام، وهذا مما أورث محبته في النفوس عليه الصلاة والسلام.
وأبو الحكم بن هشام هو أبو جهل فسماه صلى الله عليه وسلم أبا جهل، فهو لا يستحق الحكم، ولا يستحق أن يكون حكيماً؛ لأن الجاهل والمذنب والفاجر لا يستحق الحكمة، إنما الحكمة مخافة الله، فإنسان فاجر لا يكنى بأبى الحكم فهو أبو جهل، ولو أنه كان يصلح بين قومه، لكن تردى في النار يوم كفر بلا إله إلا الله.
ومن الصحابة من تكنى بأسماء النساء -بالبنات- فـ أبو الدرداء اسم بنته الدرداء؛ فكان يسمى أبا الدرداء، وهناك أبو الزاهرية، وأبو ريحانة، فلا بأس أن يتكنى الإنسان بابنته، وليس فيها عيب، وما عابها أحد، لا من العرب الخلف ولا من السلف، بل العجيب أن بعض الشعراء مدحوا بعض الملوك فنسبوهم إلى أمهاتهم وتركوا آباءهم.
دخل جرير بن عطية الخطفي على عمر بن عبد العزيز فمدحه، فقال:
وما كعب بن مامة وابن سعدى بأكرم منك يا عمر الجوادا
أقول لصاحبي والخيل تعدو على الأمواه تضطرد اضطرادا
عليكم ذا الندى عمر بن ليلى جواداً سابقاً ورث النجادا
وعمر بن ليلى هو عمر بن عبد العزيز الخليفة.
والنابغة الذبياني يقول للنعمان بن المنذر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جُرِّبنَ كل التجارب
يقول: سيوفكم أيها الملوك، معلقة في بيوتكم تقاتلون بها الأعداء، من أزمان حليمة جدتكم، وحليمة هذه كانت ملكة، والدرس ليس عن حليمة ولكنه عن التكني.
ومن هذه القضايا أن الزيارة واردة من الملائكة للناس، قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح لجبريل: {ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ قال: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) [مريم:64]} يقول: نحن لا ننزل عبثاً، أي: لا ننزل ونصعد متى نريد، بل نتنزل بأمر من الله وتكليف: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم:64].