وفد هاني الخزاعي على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال له صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ -وكان صلى الله عليه وسلم يسأل الناس عن أسمائهم وأنسابهم- من أنت؟ وهذا وارد في القرآن، قال تعالى عن إبراهيم: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} [الحجر:57] ومن السنة أنه إذا نزل عندك ضيف، أن تباسطه، وتنزل رحله، وتحادثه، وتؤانسه، وبعد ذلك تسأله من هو، أما أن تأخذ بتلابيب ثوبه عند الباب، وتقول: من أنت؟ وما نسبك؟ وما كنيتك؟ ومن أين أتيت؟ ومتى وصلت؟ نسأل الله العافية، نعوذ بكلمات الله التامات، هذه ليست من السنة.
وهذا -نسأل الله العافية- يخيف الضيوف فيتوبون توبة نصوحاً إلى الله ألا يزوروه مرة ثانية، لكن السنة أنك بعد مباسطته تسأله.
قال الأزدي:
أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب
يقول: إذا أتى ضيفي لا أسأله حتى أحادثه وألاطفه وأمازحه، ثم أسأله.
وعند الترمذي بسند فيه نظر، قال عليه الصلاة والسلام: {إذا تعرف أحدكم على أخيه، فليسأله عن نسبه واسمه، فإنه واصل المودة} كيف تماشي إنساناً في سفر من الرياض إلى أبها وهو بجانبك، وقد أصبح بينك وبينه كلام، ومودة، وشيء من المؤانسة والمرافقة، ثم تتركه ولا تعرف اسمه ولا يعرف اسمك؟!
إن هذا الدين دين التعارف، والتآخي، واللطف، والحنان، وكلما ازددت من الأصدقاء كانوا لك عوناً، خاصة الأخيار والأبرار والأتقياء.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: تزودوا من الإخوان فإنهم عزٌ في الدنيا وفي الآخرة، قالوا: يا أبا الحسن! أما في الدنيا فصدقت، لكن في الآخرة كيف؟ قال: أما سمعت أهل النار يشتكون، ويقولون: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100 - 101]-قالوا: ليس لنا اليوم صديق يشفع فينا- وقال رضي الله عنه أما سمعت الله يقول: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].
وفي صحيح مسلم وأصل الحديث في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {قدم وفد عبد القيس على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: من الوفد؟ -أو من القوم؟ - قالوا: ربيعة، قال: مرحباً بالوفد -أو القوم- غير خزايا ولا ندامى} وأورد ابن القيم في زاد المعاد بسند فيه ضعف، أن وفد الأزد -أزد شنودة- وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {من القوم؟ -الأصل أن يقولوا: الأزد- قالوا: مؤمنون، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: إن لكل قوم حقيقة فما حقيقة إيمانكم! قالوا: خمس عشرة خصلة الحديث}.