من أسباب الهداية: كثرة الدعاء والالتجاء إلى الله الواحد الأحد:
فتطرح نفسك بين يديه، فإنه سوف يهديك لا محالة, قال ابن تيمية: " من أكثر من الدعاء فتح الله عليه فتوحاً لا تدور بالخيال ولا تخطر بالبال " أحد المحدثين في خراسان اسمه الحمَّال كان يدرس الناس الحديث, فأراد السلطان أن يقطع هذا الدرس فأرسل إليه رسول يقول له: لماذا لا تقطع الحديث، السلطان سوف يقتلك؟ قال: لا والله، بل يقتله الله قبل أن يقتلني, قالوا: سبحان الله! هو حي يرزق وسوف يقتلك الليلة, قال: والله لن يقتلني إن شاء الله, قالوا: ولم؟ قال: لأني سجدت لله، فقلت: يا قاصم الجبابرة! اقصم فلاناً قالوا: فخرجوا من المسجد فوجدوه قد اغتيل في السوق.
وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أن سفيان الثوري دخل الحرم وكان أبو جعفر المنصور يبحث عن سفيان الثوري ولو وجده بين النجوم ربما أرسل من يأتي به, وسفيان الثوري لم يأخذ مالاً ولا سلاحاً ولا دوراً ولا قصوراً, إنما كان إذا لقي أبا جعفر أمام الناس يأخذ بتلابيب ثيابه وينصحه, خليفة الدنيا, فأراد أن ينكبه لأنه أيضاً يتكلم في الظلم ويتكلم في المنكر, فدخل الحرم وسفيان الثوري يصلي, قال له الناس: يا سفيان أقبل أبو جعفر المنصور ليدخل الحرم، فتعلق بأستار الكعبة، فقال: والله الذي لا إله إلا هو إن شاء الله لن يدخل الحرم, قالوا: ولِمَ؟ قال: يقتله الله, فلما بلغ بئر ميمون -وأنتم تعرفون التاريخ- مات قبل ليلتين من الحرم.
ابن تيمية في معركة شقحب وهذا من القسم على الله عز وجل، وهو سؤال الله أتى بالمصحف، وبالسيف وأخذ كأساًَ من الماء فشربه أمام الناس في 17رمضان وقال للناس: "افطروا جميعاً، الفطر في هذا اليوم أفضل, والله الذي لا إله إلا هو لننتصرن" فقام تلاميذه وقواد الجيش، قالوا: قل: إن شاء الله يا أبا العباس قال: والله لننتصرن, قال: قل: إن شاء الله قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً, فوقعت المعركة وانتصروا بإذن الله, حتى خرج النساء والأطفال يتباكون على سقوف المنازل، قالوا: وكانوا يرون ابن تيمية يلمع بسيفه بين الصفوف، هذا هو ابن تيمية , ومن استطاع أن يأتي بمثل ابن تيمية فليأت بمثله!
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أتى في أول الجيش، وهو يرفع صوته، وله صولة وهولة وجلالة ومهابة الله أعلم بها، والسيف بيده يقطر دماً، وكذا ثيابه، وكلها دماء.
تردَّى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضر
فتىً كلما سالت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر
إلى أن يقول:
وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
فرجع يقول: قال تعالى: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف:119] فالمقصود: الالتجاء إلى الله هو شاهدنا في مسألة الهداية؛ لكننا لم نعرف نحن طعم الدعاء, وكثير من الناس يقول: يا رب! نجحني في الامتحان.
وهو يفكر في الغش في الفصل, وآخر يقول: اللهم! ارزقني وهو يفكر كيف يخدع مسلماً ليأخذ بضاعته, فهذا كله دعاء من قلب لاهٍ، وثبت عن ابن مسعود أنه يقول: [[إن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاهٍ ساهٍ]].
يقول الأصمعي: مررت بأعرابي يسأل الله عز وجل الحاجة, يقول: فأجلس امرأته، وقال: اجلسي هنا فجلست, فنظر إلى السماء قال: يا رب! إني جالس كما ترى وامرأتي جالسة كما ترى فما ترى ربنا؟! أي: يقول: ماذا ترى في جلوسنا هنا؟
وقد نقل إلينا بعض الدعاة أن قرية من القرى جاهلة -لكن أوردها للعبرة- خرجوا للاستسقاء وهم جهلة، حتى أن بعضهم لا يعرف الفاتحة؛ لكن علم الله لجوءهم إليه, قرية جاهلة لا يوجد فيها عالم، ولا داعية ولا طالب علم, لكن اشتد بهم القحط، وماتت بقرهم وإبلهم وغنمهم، فعلموا أنه لا يأتي بالغيث إلا الذي فوق سبع سموات, فخرجوا: فلما اقتربوا من المصلى كان على أحدهم غترة من العمامات القديمة, وعادة بعض القبائل أنه إذا أردت طلباً من رئيس أو من وجيه، أو من رجل ذي سلطان، أو من رجل كريم ومقدم في جماعته يلقي عليه غترته, أي: يدخل عليه أن ينفذ هذا الأمر, قالوا: فتقدم هذا الشيخ الكبير الصادق الذي علم الله صدقه, قال: يا رب! وضعت بين يديك عمامتي, والله لو كنت مكاني وكنت مكانك ما أرضى لك هذا الحال! قالوا: فلما رجعوا يقول هذا الداعية: والله ما رجعوا من المصلى إلا والسيول تجرف جرفاً، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] علم الله جهله ولكن علم لجوءه إلى الله الواحد الأحد.
ولذلك ذكروا عن عيسى كما ذكر صاحب الإحياء وابن قتيبة في عيون الأخبار أن أحمقاً من بني إسرائيل كان له حمار, فأمطرت السماء وأنبتت الأرض من كل زوج بهيج، فانبسط هذا الإسرائيلي، فأخذ الحمار يرعاه وقال: يا رب! لك الحمد والشكر، والله لو كان لك حماراً لأرعاه مع حماري!
فالله جل وعلا من الأسماء والصفات ما هو بها جدير، وإنما أقصد ضرورة صدق اللجوء وكيف نلتجئ إلى الله؟ وكيف نصدق فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يأخذ بصدق القلوب, ويعفو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عما يأتي به العبد من سوء أدب معه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.