والآن نريد أن نعرب (مثلاً ما) مثلاً: منصوب على أنه مفعول به, ما: بدل أو صفة جائزة عند أهل النحو, أو منصوبة على نزع الخافض حرف مجرور مقدم, أو حال، أو تمييز في مقام الحال, كلها معربة.
والمعنى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا} [البقرة:26].
أي مثل, أو مثل ولو صغر, أو مثل من أي مثل موجود, وهو المعنى الذي قلته أولاً, ما بعوضة, ما هي البعوضة؟ أولاً الله له أن يضرب المثل بما يشاء من الأشياء، والله عز وجل له أن يقسم بما يشاء من خلقه, وليس للمخلوق أن يقسم إلا بالخالق, والعرب تضرب الأمثلة.
وذكر الرازي في كتابه التفسير الكبير أن من عادة العرب ضرب الأمثلة, يقولون: أجرأ من ذئب, وأشجع من أسد، وأجبن من غراب, وأحقد من جمل, وأحمق من حمامة.
ولا بد أن نقف قليلاً، ومن يقرأ كتاب الحيوان للجاحظ يتعجب من هذا الكون الذي خلقه فاطر السموات والأرض, كيف ركَّب عقل هذه وكيف سوى هذه وحسّن هذه وقبح هذه وجعل لهذه منقاراً ولهذه أجنحة ولهذه مخلباً سبحانك!
وكتاب الحيوان للجاحظ يقربك من التوحيد إذا كنت مؤمناً, فقالت العرب: أحمق من حمامة والسبب يقولون: خرج صياد بقوسه وبكنانته يريد صيد حمامة, فأخذت تولول وتغني هذه الحمامة وجارتها في العش, فأردات أن تنصحها أن تسكت, فقالت: اسكتي اصمتي من صمت نجا, فأطلق عليها الصياد فقتلها, مثل هذه القصص نوردها, لأن صاحب كتاب الحيوان الجاحظ يوردها لضرب الأمثلة، وصاحب كليلة ودمنة يقول: يضربونها مثلاً للناس.
حتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لما قتل عثمان قال له الناس: تولَّ الخلافة, قال: [[أكلت يوم أكل الثور الأبيض]] قالوا: ما هذا المثل يا أمير المؤمنين؟ قال: كان في الصحراء أو في حديقة ثلاثة ثيران: أحمر, وأبيض, وأسود, فأتى الأسد ويقال للأسد أبو معاوية، وهو يأكل الرجال أكلاً عريضاً, أشجع الحيوانات الأسد, ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:50 - 51] وهو حاكم الغابة, فأتى إلى الثيران فإذا هي ذات قرون، وعضلات، وثلاثة إذا اجتمعت عليه وهو وحداني لا يستطيع! فأتى إلى الثور الأسود ودعاه بينه وبينه بالنصيحة والدين النصيحة, فقال: إني أرى الأبيض والأحمر يأكلان مأكلك وعشبك, قال: فما رأيك فيه؟ قال: ما رأيك نستعين بالأحمر لقتل الأبيض قال: نعم, فدعوا الأحمر ونصحوه, فاجتمعا فقتلا الأبيض, ثم أتى إلى الأسود وقال: الأحمر هذا مغرض عليك فما رأيك فيه؟ قال: نقتله فتعاونا فقتلا الأحمر, قال: ما بقي إلا أنت يا عدو الله! فأكله.
قال علي بن أبي طالب: لا تظنوا أني باقٍ وقد قتل عثمان، فأنا في الطريق, وهؤلاء العظماء قتل عمر، وقتل عثمان وقتل علي، وذبح زكريا، وذبح يحيى.
ولسنا على الأقدام تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما