وحدثنا بعض الدعاة بهذه القصة فقال: نزل رجل أعرابي في الصحراء, فارتحل عن الغدران والأودية مسافة يومين ومعه أهله وأطفاله، أصابهم عطش شديد فلما بحث عن الماء لم يجده طلبه أطفاله ليشربون وطلبته زوجته فلم يجد ماءً, قال: انتظروا قليلاً! فذهب وراء الجبال فلم يجد ماءً, رجع وترك ما وراء الجبال، والتجأ إلى ذي الجلال, كما قال الله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] فتيمم وصلّى ركعتين ورفع يديه؛ لكنه مضطر صادق وبكى وقال: يا رب! التجأنا إليك أنا وزوجتي وأطفالي, من ينقذنا يا رب؟! كيف يرد الله هذه الكلمات؟! أيرد الله يديه صفراً؟! {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] وقال: والذي فلق البحر لموسى ما انتهيت إلا والغمامة على رءوسنا غطت ما بين الجبلين, قال: فأنزل الغيث فإذا بالسيل من جانبنا ودخلنا الخيمة حتى انتهى السيل, قال: فأخذ أطفالي وزوجتي يتضاحكون من قرب الفرج ومن كرمه عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62].
فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان
فالشاهد: أننا نطلق الحياء على الله، لكنه حياء يليق بجلاله، ما دام أنه أطلقه على نفسه فما هو المانع من إثباتها لله؟ ولكن العبرة ليست في إطلاق الصفة فهي ثابتة, لكن العبرة يوم يستحي الله من العبد ولا يستحي العبد من الله! يا سبحان الله! رب يستحي من عبده وخالق يستحي من بعض خلقه ألا يستحي المخلوق من الله؟!
تصور أن ملكاً من ملوك الدنيا -ولله المثل الأعلى- دخلت عليه فقال: يا فلان! والله إني أستحي منك، ولولا حيائي منك لفعلت بك وفعلت! فتخرج أنت وتعصيه, ثم دخلت عليه، وقال: إني أستحي منك أن أعاقبك! هل بقي لك وجه أن تقابله؟! أما عندك حياء أن تستحي منه؟
والله لا يستحي من الحق، أتت أم سليم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق -هذه مقدمة لطيفة ظريفة- فأقرها صلى الله عليه وسلم, وكان عندها في صدرها كلام, لكن قدمت ديباجة بين يديها, ما هو المعنى؟ تقول: يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق ماذا تتصورون؟ عندها سؤال فيه حياء, وسؤال شائك, وسؤال تستحي المرأة أن تسأله العالم, وخاصة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, لكن طرحت
Q إن الله لا يستحي من الحق, هل على المرأة غسل إذا رأت الماء؟ -أي احتلمت ورأت الماء- فقالت أم سلمة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم: تربت يمينك! فضحت النساء -في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم- تقول: ما هذا السؤال المجحف الذي فضحت به النساء, فقال عليه الصلاة والسلام: {بل تربت يمينك أنت يا أم سلمة، نعم.
على المرأة غسل إذا هي رأت الماء}.
فالشاهد أنه أقرها صلى الله عليه وسلم على هذه المقدمة (إن الله لا يستحي من الحق) , كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً} [البقرة:26].