ومن آداب النصيحة في الإسلام: أن تعمل أنت بالنصيحة التي توجهها للناس، علَّ الله أن ينفع بها يقول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] لماذا تتكلم كلاماً جميلاً وتفعل فعلاً قبيحاً؟ قال خطيب الأنبياء شعيب عليه وعليهم الصلاة والسلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، لا أريد أن أدلكم على الهدى وأنا ضال، وعلى الهداية وأنا متخلف، وعلى النور وأنا في الظلام.
فإذا أردت أن ينفع الله بدعوتك وبنصيحتك، فأعمل بها أنت أولاً، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3] لم تتكلمون كلاماً جميلاً وتفعلون فعلاً قبيحاً؟ وهذه أكبر القواصم التي يتعرض لها الداعية في الحياة، أن يتكلم بكلام جميل ولكن فعله قبيح، فيكذِّب فعله قوله فلا يتقبل الناس منه، ولا يجعل الله لكلامه تأثيراً ولا نوراً.
في الصحيحين من حديث أسامة رضي الله عنه: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم، ذكر رجلاً اندلقت أقتابه، والأقتاب هي: الأمعاء، يدور بها كما يدور الحمار بالرحى في نار جهنم، فيقول له أهل النار: يا فلان! أما كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: نعم.
كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه, وأنهاكم عن المنكر وآتيه} قال بعض العلماء معلقاً على الحديث، وهو تعليق لابد أن يفهم، قال: ما دخل النار بسبب أمره ولا بنهيه، وإنما دخل النار بسبب مخالفته لأمره ونهيه.
ولذلك بعض الناس عنده ورع بارد في الدعوة، سامج مظلم، مالك لا تدعو؟ قال: أخشى من صاحب الرحى في نار جهنم، أخشى أن أدور في الرحى، أنت تدور من اليوم بالرحى، من أول اليوم وأنت دائر في الرحى، وأول دورانك بالرحى وأول الفتوح والبركات؛ أنك تركت الدعوة، قال أبو هريرة لرجل: [[ألا تحفظ القرآن؟ قال: أخشى إن حفظته أن أنساه قال: كفى بك نسياناً أنك ما حفظته]] من أول الطريق، وكذلك الذي عنده ورع بارد لا يأمر ولا ينهى، ولا ينصح، ولا يتحرك بالدعوة؛ بحجة أنه يخشى أن يكون مثل هذا الذي يدور في رحاه في نار جهنم، والمقصود: أن الحديث لام هذا الرجل لأنه خالف، أما إذا أمر وائتمر، ونهى وانتهى فهو مأجور، فمن أدب النصيحة: أن تعمل بها قبل أن تنصح الناس، وبعد أن تنصح الناس أن تسدد وتقارب.
بعض الناس يظن أن الداعية لا ينصح حتى يصبح معصوماً لا يخطئ أبداً أو لا يذنب، كأن الداعية هذا إذا وقع في خطأ بسيط؛ ارتكب الجرائم وخرج من الملة.
ولذلك خطأ الدعاة مضخم، وحسناتهم مصغرة، للداعية تسع وتسعون حسنة ولكنها تنسى، وله سيئة ولكنها كالجبل، أمر عجيب! قال عامر الشعبي: والله الذي لا إله إلا هو، لو أحسنت تسعاً وتسعين لنسوها ولعدوا علي غلطة واحدة.
ترفقَّ حنانيك:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
تريد مهذباً لا عيب فيه وهل عطر يفوح بلا دخان
العصمة لمحمد عليه الصلاة والسلام، والدعاة ليسوا معصومين في الإسلام، فقد يخطئون، لكنهم يراجعون خطأهم ويتوبون إلى الله الواحد الأحد.