ومن آداب أهل السنة في النصيحة؛ أنهم يسرون بها في موضع الإسرار، قال الشافعي:
تعمدني بنصحك في انفرادٍ وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
أتنصحني أمام ألف؟
أتنصحني في الحارات؟
أتخبر أني أخطأت؟
أَوصلتَ بيتي؟
أَكتبتَ لي رسالة؟
أَطرقتَ عليَّ الباب؟
هل جلست معي؟
هل أشفقت عليَّ؟
أبعد أن نشرت مقابحي، ورذائلي، وسوآتي أمام الناس تريد أن أقبل منك، طبيعة الإنسان أنه إذا رأى الخصام والجدل لن يقبل، يغلق منافذ السمع لن يتقبل، فـ أهل السنة يسرون بالنصيحة في موضع الإسرار، يسرون بها بكتابة أو اتصال أو غيره، إذا علم أن المنصوح من أهل السنة، وهو الذي لا يريد إلا الخير بدعوته، ويعلم الله أنه يريد الصلاح لأمة محمد عليه الصلاة والسلام.
فحقيق على الناصح أن يسر النصيحة، ولكن قال بعض علماء السنة: من شهر بنا شهرنا به.
من شهَّر بـ أهل السنة شهرنا به.
إنسان يدّعي بدعاً، ويهاجم الدين من على المنبر أو في صحيفة، أنرد عليه سراً؟ يفضحنا جهراً ونرد عليه سراً؟ يشتمنا نهاراً ونرد عليه ليلاً؟ لا.
بل السلاح بالسلاح قال الله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] ما دام أنه شهربنا فنشهر به، لأن الناس سمعوا كلامه، ولا يمكن أن يُنهى كلامه إلا برد مثل كلامه الذي شهَّر به، كرجل كتب معتقداً بدعياً ونشره في الصحف، حق علينا أن نأتي في هذه الصحف، وننشر ردنا الصادق الناصح؛ لأنه شهَّر برده أو بكلامه، لكن إنسان ارتكب بدعة، ولا يعلم إلا أنا أو أنت، أذهب إليه بيني وبينه، ولا أكتب في صحيفة ببدعته؛ لأنه قد يتوب.
سئل أحد العلماء الأحياء: أما رددت على فلان؟ قال: ليس من منهجي هذا، قالوا: ما هو منهجك؟ قال: منهجي أن أكتب للذي أريد الرد عليه بيني وبينه، فإن استجاب لي فبها ونعمت، والحمد لله فقد حصل المقصود، وإن رفض الاستجابة أعلنت الرد عليه لينتبه له الناس.
هذا هو المنهج السليم، فهدي أهل الإسلام في النصيحة: أنهم لا يتفاضحون بها ولا تصبح مسبة.