نصيحة الخاصة للخاصة، ونصيحة العامة للعامة.
من هم الخاصة؟ الخاصة هم قوم لهم مسئولية خاصة، ولاة الأمر، فهدي أهل السنة أن ينصحوهم في آذانهم بلا فضيحة، ولذلك كان أحمد ينصح المعتصم بينه وبينه، وصح أن أسامة رضي الله عنه والحديث عند أحمد في المجلد الأول من الفتح الرباني أن الناس قالوا: يا أسامة! ألا تكلم هذا؟ أي: عثمان، ألا تكلمه؟ لأن الناس لاحظوا على عثمان رضي الله عنه في سيرته بعض الملاحظ التي هو مأجور على اجتهاده فيها، من تقريب بعض بني أمية من قرابته.
قالوا: ألا تنصحه؟ قال أسامة: [[أتظنون أني كلما نصحته أخبرتكم؟]] أيلزم العالم وطالب العلم والداعية؛ أن كل ما نصح مسئولاً أو وجيهاً، أو من عنده أمر أن يخبر الناس أنه نصحه؟ أيلزمه أن يظهر نصيحة الخاصة في العامة؟ هذا ليس من منهج أهل السنة، وإنما هو إرغاء، وإزباد، وتشويش، وفتنة، وهمجية؛ معناها أن يحول الناس إلى جدال وخصام واحتدام.
أهل السنة لهم طريق آخر في نصيحة العامة، فهم ينصحون العامة على ملأٍ من الناس، فيبينون أخطاءهم لهم لا أسماء، وبلا أشخاص، كان إمامهم عليه الصلاة والسلام يرى الخطأ فلا يقول للرجل أخطأت، ولكن يصعد المنبر فيقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا.
وإني أشكر فضيلة الشيخ جابر هذه الليلة، يوم وجه الملاحظة الأولى توجيهاً عاماً مطلقاً لم يقيده بهيئة أو بشخص أو بصحيفة، وهكذا ينبغي، فصاحب الخطأ يدرك خطأه وهو جالس، وهو مستور والحمد لله، ويصحح مساره، أما أن تخبر باسمي، وبمسكني، وعنواني، وتلقي فيَّ محاضرة، أنا سوف أعمى تماماً، أنا سوف أسل سلاحي وأنتقم، أنا سوف أدافع عن كرامتي إلى آخر قطرة من دمي؛ لأن هذه أصبحت معارك متبادلة، أو استحداث خصومات مع القلوب، وأصبح فيها من الفتنة ما الله به عليم.
لكل إنسان مكانه، من الذي لا يرى مكانته؟ من الذي يحتقر نفسه؟ من الذي لا يرى أن ينبغي أن يحترم بقدر ما فيه من الخير؟