وأهل السنة يتناصحون، ويتراحمون، أهل السنة ينصح بعضهم بعضاً بدافع الشفقة، والرحمة، والود، والحب، ولذلك قال الله في أوليائه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] أما أهل البدعة فيتفاضحون، أما أهل الانحراف فيشتم بعضهم بعضاً تشهير، وسب، وإعلان، ودعاية، وتضخيم للأخطاء، قال الله في المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة:67] يقول صالح عليه السلام: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:79] وقال هود عليه السلام: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف:68] فالناصح لابد أن يشفق على المنصوح، ولا بد أن يعرف حال المنصوح، ولابد أن يقدم النصيحة في قالب من الحب والود.
أرأيت منهج محمد صلى الله صلى الله عليه وسلم الذي شق العالم في خمس وعشرين سنة، جلس مع قبائل متحاربة متضادة، كما قال بعض المفكرين: نحن العرب كقرون الثوم، إذا كشفت قرناً ظهر لك قرون.
فلولا أن هذا المصطفى عليه الصلاة والسلام، أتانا بدعوة ربانية، وبخلق حسن، والله ما لانت له قلوبنا, قال الله فيه وفي دعوته: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] أهل السنة لا يسكتون عن المنكر، قال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورفع منزلته: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر بلا منكر، ما أحسن هذه الكلمة!
بالله لفظك هذا سال من عسل أم قد صببت على أفواهنا العسلا
والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن النصيحة علامة النفاق، قال الله سبحانه في بني إسرائيل: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79] وقال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة قال الراوي: قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم}.
قال أهل العلم: النصيحة لله بامتثال أمره واجتناب نهيه تبارك وتعالى.
والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم بتجريد المتابعة له، بأن تجعله إماماً لك.
والنصيحة لكتابه أن تقرأه، وتتدبره، وتعمل به، والنصيحة لأئمة المسلمين؛ ألا تشق عصى طاعة عليهم ما أطاعوا الله، وألا تفضحهم على رءوس الناس ما لم يظهروا كفراً بواحاً، وأن تصلي وراءهم، وأن تجاهد تحت رايتهم ما لم تر كفراً بواحاً عندك من الله فيه برهان، وأن تجمع الكلمة لهم، وأن تدعو لهم في ظهر الغيب بالصلاح والهداية.
والنصيحة لعامة المسلمين؛ أن تحب لهم ما تحب لنفسك، وأن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {حق المسلم على المسلم خمس -وفي رواية: ست- وذكر منها: وإذا استنصحك أن تنصح له} ما أحسن الكلام! ألا تغشَّه، وألا تفظَّ بأسلوبك عليه، وألا تجرح مشاعره، وألا تفضحه على رءوس الناس وهذا هدي الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.