كلمة للشيخ/ سعيد بن زعير عن الحوار مع العلمانية

إن بقي من الوقت فأنا أستميح فضيلة الشيخ/ عبد الوهاب الطريري ليتحفنا الشيخ الجليل والأديب والمفكر الدكتور سعيد بن زعير ليكمل ما بقي من وقت ولا نريد أن يطيل: {من صلى بالناس فليخفف}.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لولا أني أحرجت من الشيخ عائض قبل هذه المرة حيث طلب مني مثل هذا الطلب ورفضت، ووعدته ألا أرفض مرة أخرى لفعلت، وفي الحقيقة أن ما سمعنا من فضيلة الشيخ لا تعليق عليه، ولا حاجة في الواقع للتعليق لحسن الإعداد ولحسن العرض، ولكن كنت أسجل لنفسي نقاطاً من حديثه, كانت مدار صراع وحوار خلال الأسبوع الماضي في عدد من الندوات الثقافية التي كانت في مهرجان الجنادرية.

ووجدت تقارباً في القضايا التي عرضت مع اختلاف في منهج العرض وفي النتائج، وأعلق قليلاً على بعض ما سمعت هنا وما سمعت هناك.

من الأشياء التي عرضت وتكاد تكون محل إجماع في معظم منتديات العرب والمسلمين اليوم: أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم في واقعها الحضاري اليوم، تكاد تكون في آخر الركب، وهي أمة متخلفة: سياستها ليست على الهدى، واقتصادها بعيد عن منهج الله، وتربية أبنائها ضعيفة، وإعلامها غير راشد، وإنتاجها في معظم شئون الدنيا هزيل ضعيف، تعيش على موائد غيرها.

هذه حقيقة ينبغي أن نعترف بها, وهي محل إجماع من أبناء العرب والمسلمين المهتدين والضالين، فهذه حقيقة لا نختلف فيها.

فهذا التخلف الذي هو محل إجماع, يتحدث الكثيرون كيف ننعتق منه؟ وكيف تنهض الأمة؟ وفي قضية نهضة الأمة تختلف الأطروحات، وليست هذه قضية جديدة، الطرح مبكر، وهذا الطرح المبكر المتعدد، جعل في تراث النهضة في بلاد العرب والمسلمين أشكالاً من التصورات، وما تعرفون من الحزبية القائمة في بلاد العرب والمسلمين ومبررها التي نشأت عليه: أن كل صاحب فكرة يدعي لنفسه أنه الذي سينهض بالأمة من خلال تصوره ومن خلال حزبه، فامتلأت المكتبات بهذه الأطورحات المتفاوتة.

وفي العصر القريب وفي الأيام القريبة، والأسابيع القريبة، والأشهر القريبة، طرح ما يسمى بالحوار، الحوار بين من؟ بين أصحاب هذه التصورات في النهضة بالأمة، الذين يقولون: إن الإسلام هو الحل، والذين يقولون: إن أحزابهم وحكوماتهم هي الحل، والذين يقولون: لا حل إلا أن نقلد الذين نهضوا من الغرب وننهج نهجهم, والذين يقولون: نلفق من كل مكان ونطرح أشكالاً متنوعة، الحدث هو الحوار, نسمعه في الإذاعات، ونقرؤه في الصحافة، ونسمعه في المنتديات، لماذا لا نتحاور؟ لماذا لا يكون بيننا حوار؟

والشيخ طرح جانباً من الحوار وهو الحوار بين المهتدين، بين علماء الأمة، وفقهائها، والملتزمين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما ينبغي فيه من أدب في الاختلاف، وهذا أيضاً موضوع قديم، بل ألف فيه ومن ذلك: رفع الملام عن الأئمة الأعلام كتاب لـ ابن تيمية ذكر فيه التعدد ووجهات النظر، وأن هذا أمر فيه سعة.

ولكن الحوار القائم الآن في منتديات العرب والمسلمين، هو حوار بين الحق والباطل، حوار بين العلمانية بفصائلها وبين -مع الأسف الشديد المؤلم- الإسلاميين بفصائلهم أو تجمعاتهم أو أشكالهم.

إنها قضية كبرى, وأتصور أنها أكبر ما يعرض الآن في الساحة، الحوار بين العلمانية وبين الإسلام، في الشهرين الماضيين عقد منتدىً كبير -في أكبر بلاد العرب عدداً- بين العلمانية والإسلام.

وقبلها بسنتين أيضاً عقد حوار بين العلمانية والإسلام، وانتقلت تلك الصراعات إلى كل الصحافة العربية تقريباً، وإلى المهرجانات العربية، يطرح أمر الحوار وأدبه، الخلل يراد أن يكون بين العلماء المسلمين, والأدب والضوابط والقيم في الخلاف إنما يراد لها أن تكون بين المسلمين والكافرين, فيقولون: لماذا لا تتعدد الآراء؟ لماذا لا نقبل بالرأي الآخر؟ لماذا لا يعرض الرأي الآخر؟ لماذا تكرهون الناس على آرائكم؟ وهذا الكلام يقال ما دمنا في دائرة الإسلام، أما وأن الحوار بين الإسلام والكفر، فأي تنازل، إن الحوار مع الكفر نوع آخر خارج دائرة التعدد في الآراء، خارج دائرة.

{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] إذا كان خارجاً هناك: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6].

القضية الخطيرة في الحوار: على ماذا نتحاور؟ حتى إن هذا المبدأ يكاد يكون محل تسليم عند الكثيرين من الناس، أو على الأقل نسبة كبيرة من كتابنا يسلمون به، هذا المبدأ يقولون: إن تلاقح الآراء، والأفكار، وصراع الأفكار يخرج من خلاله الحق، هذه تكاد تكون مسلمة، وهي جزء من النظرية الشيوعية، التي قامت على الجهل, وأصلاً لا علم عندهم لأنهم مقطوعي الصلة بالله، ويقولون: إن الحقائق تأتي من الصراع، تتصارع الآراء ومن الصراع تخرج الحقيقة, وهذه تطرح بيننا المسلمين، يقولون: إن الصراع بين الأفكار يثمر الحقيقة وتظهر الحقيقة من خلاله، وهذه ليست من بضاعتنا، بل هي بضاعة أولئك الذين لا يعرفون الحقيقة، أما نحن فإن الحقيقة عندنا، إن عرفناها وإن لم نعرفها، إذا كنا لا نعرف الحقيقة فليس الطريق في معرفتها الصراع، وإنما بالبحث العلمي، بفهم القرآن والسنة، وفهم مشكلات الناس وتنزيل الحكم عليها، وإذا كانت عندنا قضايا لا نعرف الحق فيها، فهل نتصارع حتى نعرف الحق أو نعود إلى كلام الله وكلام رسوله، ونبحث في آيات الله، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ثم كيف يطرح الحوار؛ ليأتي مثقف، أو مفكر، أو أديب، أو شاعر، أو موسيقي، ليأتي من كل الثقافات ويتصارعون ويقولون: إن هذا الصراع هو الذي يأتي بالحق، أعوذ بالله من هذا الكلام.

إن هذا -والله- لا يأتي بالحق، بل هذا يأتي بالفرقة والشتات، والبعد عن الحق.

إن الحق: هو العودة إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ممن يعرفون الكتاب والسنة، من علماء الأمة، أما هؤلاء الرعاع ممن يسمون بمثقفين، وثقافتهم أتدرون ما هي؟ موسيقي, كاتب شعر, ناقد، كاتب نثر, دنيوي, طبال, زمار, فنان في الرقص! هؤلاء هم مثقفون والفنانون التشكيليون, يجتمعون ويقولون: نتحاور لنصل إلى الحقيقة، حقيقة من؟ أحقيقة الشيوعيين؟! هم يتصارعون لأنه لا يوجد حق عندهم، وإنما يعرفون الحق بكثرة الأصوات.

أما نحن في الحق حتى لو لم نعرفه فإننا نعود إليه ونبحث عنه في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

نقطة أخرى وهي من أخطر النقاط التي تطرح في مسألة الحوار:

إذا قيل لهم: لا حوار بيننا ولا نريده, لأن الحوار لا يأتي بالحقيقة، قالوا: لماذا؟ ألستم أصحاب الحق, والإسلام قوي؟ فلماذا لا تحاورون؟

لنقل جدلاً: سوف نحاور، نسأل سؤالاً: لِمَ الحوار؟ يقول: للوصول إلى الحقيقة، فنسأله سؤالاً آخر: وماذا تريد بالحقيقة؟ يقول: لنعمل بها.

كلام منطقي، أنت تحاور للوصول إلى الحقيقة، فإذا حاورت ووصلت إلى الحقيقة عملت بها، نريد أن نختبر مصداقية هذا التسلسل، ونريد أن نجرب صدقك في هذا.

فنقول له: قبل البحث إن عندنا حقائق قطعية الثبوت والدلالة، هل تلتزم بها؟ هاه! يسأل نفسه.

الذين يطرحون الحوار اليوم من المثقفين العرب والمسلمين على الساحة العربية نقف قبل الحوار معهم، ونقول: إن الحوار الذي تقولون: إنه وسيلة للوصول إلى الحقيقة, لو سلمنا به جدلاً فنقول: لماذا لا تعملون بالحقائق البينة الآن؟

النصوص القطعية الثابتة لماذا لا تعملون بها؟ هل عندكم شك في أن الشرع لازم التطبيق؟ هل عندكم شك في أن الربا حرام؟ هل عندكم شك في أن الحدود ملزمة؟

إن هؤلاء العلمانيون الذين يحكمون في كثير من بلاد المسلمين يريدون الحوار للوصول إلى الحقيقة، وعندهم أكبر الحقائق ثباتاً في الدين يرفضونها.

إذاً هم يقولون: الحوار للوصول إلى الحقائق, وهذا كذب، لو كانوا يريدون الحق للعمل به لعملوا بالموجود، ثم يعملوا بالذي لم يوجد ولكنهم ينكشفون، فإذاً حوارهم هذا وصراعهم لإلهاء الأمة بحوارٍ غير منضبط.

ثم نقطة ثالثة وأخيرة: لو فرضنا أننا نتحاور, في أي شيء نتحاور؟ نتحاور في الأمور غير الواضحة؟ يقولون: نعم.

إن الأمور الثابتة لا تحتاج إلى حوار، نحن نتحاور في الأمور التي تتغير أو المتغيرات، نسأل: ما هي الثوابت وما هي المتغيرات؟ وما هي الأمور الثابتة؟ يقولون: الثوابت هي ما ثبت في القرآن والسنة، وعندما يحاورون يبدءون في إعادة النظر في الثوابت, فتراهم يشككون في الآيات والأحاديث، ويشككون في الأدلة القطعية.

إنهم يحاورون لإلهاء الأمة ولتشكيكها، وقد حصل لهم كثير من ذلك، أنه يعرض من خلال الندوات، ومن خلال ما يكتب في الصحافة، يعرض غثاء من الضلال الذي شكك الناس في دينهم، وشكك من لم يعرفوا الحق من شباب الأمة، ممن هم في سن التعليم، وممن هم في سنن التقويم، وشككوا بهذا الحوار.

إذاً الحوار ليس للوصول إلى الحقائق، وإنما لتشكيك شباب الإسلام في الحقائق، وذلك مقصد أعداء الدين، وقد حققوه في غفلة من السذج من المسلمين، أو في حضور أعداء الدين، وأعداء الأمة وتنفذهم في وسائل الإعلام، أو في وسائل التثقيف العامة.

إن هذا القضايا التي تعرض ينبغي أن نعيها ونفهمها وأن نراغم أعداءها.

وبعض المحاورين، والمداخلين، والمتحدثين لا يلتزمون بشيء من ثوابت هذا الدين، بل يناقشون في كل شيء، بل يناقشون في الأمور المستقرة عندنا من أمر الدين، وأمر النظام السياسي الذي استقر، ويرفضون ما نحن عليه من نظام سياسي واجتماعي, كل ما عندنا يكاد أن يكون مرفوضاً، وكأنهم -بما يسمونه الصراع- يريدون أن يهدموا كل ما عندنا، ثم يؤسسوا على أنقاضنا شراً وباطلاً مما يأتون به.

لكن العقول لا تعي، وإلا فهذه الأطروحات العلمانية بكل فصائلها في العالم العربي الإسلامي هي ساقطة الآن، بل إن الذي أسست عليه ساقط.

نسأل الله أن ينور بصائرنا، وأن يرزقنا العمل النافع، وأن يفقهنا في الدين، وأن يثبتنا على الحق، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015