بعض ثمار الجهاد الأفغاني

العشماوي: لكن هذه المسألة تحتاج إلى شيء من التركيز؛ لأننا الآن أمام طائفتين: إما أمام طائفة علمانية عقلانية في اتجاهها، ترى أنه ما علق من آمال على الجهاد الأفغاني قد تبدد، وأننا نعيش في عصر غير العصور الماضية، فكل ما قيل عن الجهاد الأفغاني، وعن كرامات المجاهدين فإن هذه أمور يجب أن نتوقف أمامها كثيراً، حتى أن أحدهم كتب مقالاً في إحدى الصحف التي تصدر في البلاد الإسلامية يقول: أين الكرامات التي قالوها عن الأفغان؟ أين الحجارة التي تتحول إلى نار؟! أين الشهداء الذين يضحكون؟! أين الدماء التي تفوح منها رائحة المسك؟!

كل ذلك يدل على أن المسألة فيها نظر، وأن قضية الجهاد في هذا العصر يجب أن ينظر إليها نظرة عصرية جديدة، فإذا نحن استسلمنا لمثل هذه الأطروحات ربما يكون لها أثر عكسي سيء، هذا جانب فضيلة الشيخ!

الجانب الآخر: قضية ما يجري في أفغانستان في تصوري أنا -وأنا أريد أن تبين هذه النقطة- ألا ننسى خطط الأعداء، فهم يخططون لأن النتائج اقتربت وقطف الثمار اقترب، ولا أتصور أن الغرب ولا الشرق سيسكت ويدع حتى ولو سهماً في كنانته دون أن يرمي بها إلى الجهاد هذه الجوانب مجتمعة، ألا ترى أنها قد تكون هي وراء الوضع الأخير في أفغانستان، بالرغم من أنه في الأيام الأخيرة بدأت بوادر اتفاق بين المجاهدين، فنريد تعليقك جزاك الله خيراً على هذا الموضوع؟

صلى الله عليه وسلم أنا ضد من ذكرت في المسألة الأولى، ومخالف لمن يصغرون من شأن الجهاد، ويعرضونه في معرض السخرية والمهزلة، وهؤلاء نحن نعرف مواقفهم من ذي قبل، وليسوا بجديدين في طرحهم وأسلوبهم، ولكني أسألهم أسئلة يمكن أنها لا توضع على كافر فكيف بالمسلم، فأقول: إن من مكاسب الجهاد سقوط الشيوعية كما قال بعض أهل الإسلام، وكنت أظن أن الجهاد الأفغاني ليس سبباً رئيسياً وجوهرياً، وقد قلته لبعض الناس، حتى أني قرأت في مجلة الوسط قبل أشهر، وإذا برئيس الاستخبارات السوفيتي المخلوع يتكلم عن هذه المسألة ويقول: إن أكثر ما قصم ظهر الشيوعية هو الجهاد؛ فإنه استنزفها استنزافاً عجيباً، حتى أن القذيفة كانت تخرج برقمها في يومها، وتطلق مع الغروب في أفغانستان، وهذا دليل على أن الأسلحة في المخازن انتهت، وأنها ضربت في تلك الجبال، وقد رأيت في جبال أفغانستان في جاور وخوست بعض الجبال قد احترقت تماماً من كثرة ما ضرب من القذائف والصواريخ والقنابل عليها فكانت قصمة للشيوعية وهذا مكسب.

الأمر الثاني: نشر فكرة الجهاد وإحياؤه في العالم الإسلامي، حتى أصبحت في ذهن كل مسلم، في الشرق والغرب، وما البوسنة والهرسك إلا نتيجة من نتائج ذلك.

الأمر الثالث: تعاطف الأمة, فقد أصبحت جسداً واحداً، حتى كانت أخبار أفغانستان مع العجائز والكبار والصغار، ورأينا الدموع والدعاء والابتهال والمناجاة.

الأمر الرابع: وجدنا موقفاً فريداً من المواساة لا يوجد إلا عند السلف الصالح في بدر وأحد وفي الخندق، فتجد الأموال ترسل بعد كل خطاب، والناس من كل حدب وصوب ينسلون, ويتركون أهلهم وذويهم وعشائرهم وقبائلهم، فيذبحون هناك وكأنهم يسكنون جنات ونهر، وهم -إن شاء الله- في جنات ونهر.

أيضاً: إيقاظ الشعب الأفغاني، ورده إلى دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقد كان هناك طوائف منحرفة، ووجد شيوعيون قدماء، فمنهم من اهتدى، ومنهم من أبصر الحق، ومنهم من قتل فهذا ما ظهر لنا, أما الأسرار التي قدرها الله عز وجل وقضاها، فلا يحيط بها إلا هو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

وأنا أقول: صحيح أن هناك أيادي وأصابع، لكن معنى ذلك ألا نبرئ أنفسنا دائماً؛ فإنه أخذ علينا أننا نلقي باللائمة على غيرنا، وسوط المؤامرة على الآخرين، ونجعل أمريكا شماعة، فكلما وقع شيء قلنا: هذه خيوط أمريكا، وهذه إشاعة أمريكا وأنا أعرف أنها الشيطان الأكبر، ولكن مع ذلك يجب علينا أن ننقذ أنفسنا، فإن الله يقول للصحابة في أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] فهو باختلافهم، وأقر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنهم اختلفوا فلابد أن نقول: نعم.

اختلفوا, وقد جلست مع بعض الفضلاء من القادة، وسمعت أن هناك خلافاً، وأن هناك من يسعى لتأجيجه، وأن هناك أشياء وهوى في النفوس، ولا زلنا نقول عبر هذا اللقاء لقادة المجاهدين: اتقوا الله في الأمة، واتقوا الله في مكاسب الجهاد، وخافوا من الله, وقد سمعت من سماحة الشيخ أنه أرسل بعض البرقيات لـ رباني ولـ حكمتيار ولـ سياف يناديهم بهذا، ونشر بعضها, فلا بد أن نكون صريحين في ذكر أخطائنا ونقد أنفسنا؛ لئلا ينقدنا غيرنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015