العشماوي: هذا يكفينا ويكفي من يريد الحق ويبحث عنه.
Q لا شك أن لكل مرحلة من مراحل الدعوة فقهاً دعوياً إذا صحت العبارة، فيا ترى ما هو فقه هذه المرحلة من مراحل الدعوة، فيما يتعلق بالواقع؟
صلى الله عليه وسلم أحب أن أشير إلى مسألة وهي: ألا نندم على ما مضى، فقد ينهج الداعية نهجاً في طرحه وأسلوبه، ثم يظهر له أن أسلوبه كان خطأ، أو يوحى إليه أن الذي سلكه ليس بصحيح، وهذا فيه نظر، لأنه قد يكون هو الصحيح، وعين الحكمة هو الذي فعله من قبل، إذا ناسبت المرحلة التي سبقت هذا النوع أو الثوب الذي طرحه من ثياب الدعوة.
وأحياناً قد يفعل الإنسان هذا ثم ينقص جهده، وهذا كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً} [النحل:92] فلا يصح للإنسان أن يعود على مسيرته، وجهده وجهد إخوانه من الدعاة بالخطأ, لأن هذا ليس بالصحيح لأمور:
أولاً: لأنه قضاء الله وقدره.
ثانياً: لأن الذي حدث قد يكون عين المصلحة, فإن لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى له الحكمة المطلقة.
فعليه ألا يزري بمنهجه ومنهج إخوانه إلا في بعض الجزئيات من جزئيات الخطأ والغلط التي لا يسلم منها أحد، ثم إن الحياة مراحل للدعوة كما فعل عليه الصلاة والسلام، فإنه كان له طرح معين في مكة، فقد كان يدعو إلى المعتقد، ويحارب أهل الوثن، فلما وصل إلى المدينة لينشئ دولته الإسلامية الرائدة الخالدة، كان له أسلوب وطرح آخر معالجة لقضايا الأحكام، والآداب، والسلوك، وأسس فقه الفتوح والجهاد، وكلها مستوحاة من كتاب الله عز وجل، ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمرحلة التي نعيشها الآن من وجهة نظري، وقد يكون هذا صواباً أو خطأ، لكني أرى بالاستقراء والإلمام من كلام بعض العلماء أن هذه المرحلة تحتاج إلى تعميق للتربية، وتأصيل للعلم، بأن نعمق تربية الكتاب والسنة في قلوب الناس وعقولهم، ونشربهم روح الدين؛ بحيث لا نتباطأ لهم في توضيح الإسلام وقضاياه, لأن كثيراً من الدعاة وقع في خطأ وهو تلغيز في الإسلام، أو وصفة سحرية للدين، أي أنهم جعلوا الدين أحاجي وألغازاً وصعبوه وهذه طريقة علماء أهل الكلام وأهل المنطق كما يقول ابن تيمية، وإلا فالدين سهل بسيط، وقد طالب الأستاذ الشيخ علي الطنطاوي في كتابه (طبيعة الإسلام) بهذا، وسبق أن جلست معه أنا وبعض الفضلاء منهم: الأخ عبد الوهاب الطريري، والأخ سلمان العودة، وبعض الإخوة فقال: إن من المسائل التي يسعى هو لتوضيحها للدعاة وللناس: أن يبسطوا دين الله لخلقه، وأن ييسروه، ويسهلوه، بأن يكون معلوماً للكبير والصغير، للأعرابي وللحاضر، للأمي وللقارئ، وهي طريقة القرآن، فإن القرآن يوم يسمع ويتلى لأول وهلة يفهم منه كل بحسبه؛ لكن ليس هناك آية لا يستطيع أحد أن يفهم منها شيئاً.
تعميق التربية، وتأصيل العلم، وجمع الكلمة تحت مظلة أهل السنة والجماعة، وإيجاد جيل يحمل المبدأ، ويغار لدين الله عز وجل، ويغضب للدين من انتهاك الأعراض والوقوع في المحرمات ويأسى لإخوانه في العالم الإسلامي يعيش قضية عالمية ربانية وهي قضية الإسلام هذا هو فقه المرحلة التي أراها وقد تحتاج إلى شيء من البسط، لكن لعجالة اللقاء ذكرتها في نقاط.
فالجانب التربوي وتأصيل العلم الشرعي؛ بأن نكون طلبة علم، نتربى على الخوف من الله عز وجل، وعلى حبه وحب رسوله، ولا يكون عندنا جفاف فكري؛ أن يكون فكراً نيراً, فاهماً، ولكن مع قلب جاف.