Q لي صديقٌ أحبه في الله، لكنه يفعل بعض المعاصي، وقد نصحته مراراً فيقول لي: إني لا أفعل المعاصي، فما قولك -يا شيخ- فيَّ وفيه، وما لنا من توجيهٍ منك؟
صلى الله عليه وسلم أولاً أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، وأقول لكم كما قال ابن القيم رحمه الله:
أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم
وحملها جهد المحبة وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم
لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتمُ أو حضرتمُ
أما ما ذكر الأخ، فأنا لي معه ثلاث وقفات:
الوقفة الأولى: ما دام أن الله ثبته أو حفظه سبحانه وتعالى، فعليه ألا يعجب بنفسه، ولا ينظر إلى العاصي هذا بنظرة احتقار، فإن هذه متلفة ومهلكة لهذا الداعية ويخشى عليه، وعليه خطرٌ كبير، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: {أن رجلاً من العباد من بني إسرائيل كان يمرٌ به فاسق فيقول: يا فلان! اتقِ الله - خف الله تُب إلى الله- قال: دعني وربي، أبعثت عليَّ رقيباً؟ فقال له مرةً ثانية: خف الله قال: دعني وربي، وفي الثالثة، قال: يا فلان! خف الله، قال: دعني وربي، قال: والله! لا يغفر الله لك، فقال سبحانه: من الذي يتألى عليَّ؟ -من الذي يحكم؟ من الذي يقبل ويرد؟ من الذي يعافي ويشافي؟ من الذي يتوب على من تاب؟ إنه الله، أتحلف وتغلق طريقاً فتحه الله وتقطع حبلاً أمده الله!! - من الذي يتألى عليّ؟ أشهدكم أني غفرت لهذا، وأحبطت عمل هذا} فليستأنف العمل!!
فلا ننظر إليهم بازدراء للمعاصي؛ لأننا لا ندري ماذا يختم لنا ولهم، ولا ندري هل قبلت أعمالنا أم لا، ولا ندري ما مطويات نياتهم، ولو أننا نحكم بما ظهر.
الوقفة الثانية: أن عليك أن تدعوه بينك وبينه، ولا تفضحه ولا تخدش حياءه أمام الناس، يقول الشافعي:
تعمدني بنصحك في انفرادٍ وجنبني النصيحة في الجماعه
فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعه
فحاول ألا يشعر الناس أنك تنصحه، وحاول أن تهدي له النصح، في ثوبٍ من الستر.
الوقفة الثالثة: أنت ما بعثت عليه رقيباً، فلا تدخله بالقوة والجبروت والهرواة في الاستقامة: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22] إنما أنت منذر.
ما عليك إلا البلاغ، فقدم له الهداية فإن قبلها فبها ونعمت، وإلا فالله المستعان! فالهادي هو الله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56].