وذكر ابن كثير في ترجمة عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد الشاب الذي قاد الأمة وهو لم يتجاوز الأربعين، لما علم اللهُ صدقَه وإخلاصَه بلَّغه الله ما تمنى.
يقول ابن كثير: أُثِر عن عمر بن عبد العزيز أنه صلى صلاة العيد، ومعه أمراء ووزراء بني أمية فقربوا له المراكب ليركب، فقال: [[ما أنا إلا رجل من المسلمين، ثم مضى، فلما مر بالمقبرة وقف عندها وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيتها القبور! كم فيك من خد أسيل، وطرفٍ كحيل، ثم قال: ما كأنهم ضحكوا مع من ضحك، ولا لعبوا مع من لعب، ولا تمنوا مع من تمنى، ثم رفع صوته باكياً وقال: يا موت! ماذا فعلتَ بالأحبة؟! فأجاب نفسه بنفسه وقال: يقول: أكلتُ العينين، وذرفتُ بالحدَقَتَين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الركبتين]].
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها
فاعمل لدار غداً رضوانُ خازنها والجار أحمد والرحمان بانيها
قصورها ذهبٌ والمسك تربتها والزعفران حشيش نابت فيها
من أراد أن يعمل فليعمل لدار البقاء، ودار الغناء ودار الحياة، لا فيها هم، ولا حزن ولا غم، من أراد ذلك فعليه بمركب الخوف.
وفي مسند الإمام أحمد بسند حسن أن: {الجواري (الحور العين) في الجنة ينشدن الحور العين -فيقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا}.
إنهن يتغنين بصوت جميل لمن ترك الغناء واللذات في الدنيا، أما من استمع هنا وتمنى ولها فلا يستمع هناك؛ لأن الله يقول: {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:26].
لذلك يقول ابن القيم:
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصانِ
فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزانِ
يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان
يا أيتها الأذن التي تريد النعيم: لا تستمعي إلى اللغو الأثيم.
يا أيها القلب الذي يريد أن يرضى عنه الله، وينشرح برضوان الله، لا تنغمس في الخطايا.
يا أيتها العين التي تريد أن تنظر في الجنة: لا تنظري إلى الحرام.
إن مركب الخوف كان أقرب المراكب عند السلف الصالح وصولاً إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهم أقرب الناس إلى الله بالخوف منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وطلب ما عنده.