القضية الرابعة: قوله: (ثم راح إلى الجمعة) كيف يقول عليه الصلاة والسلام ثم راح والرواح آخر النهار، لأن العرب اصطلحت أن الرواح من الظهر إلى المساء، واصطلحت أن الغدو من الصباح إلى الظهر، فكيف يقول صلى الله عليه وسلم من راح والرواح في آخر النهار؟ وفي القرآن آية تؤيد أن الرواح في آخر النهار وهي في سورة النحل {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6] فتسرحون الصباح، وتريحون بعد صلاة الظهر، فكيف يقول عليه الصلاة والسلام من راح إلى الجمعة؟ يعني يروح بعد الظهر، والإمام مالك: حمل الحديث إلى أنه يروح بعد الزوال، فقال: يبقى الإنسان في بيته ويغتسل فإذا زالت الشمس يبدأ بالرواح، يعني أن المصلين لا يروحون إلى المساجد عند الإمام مالك إلا بعد الساعة الثانية عشرة بتوقيتنا.
والجواب على هذا الإشكال أن معنى (راح) هنا: معناها سار، فإنها تستخدم بالتضاد لكلمة يغدو، يقول: الصلتان السعدي كما في كتاب الحيوان للجاحظ:
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي
أي: نذهب ونأتي، فليس معنى أننا نروح في آخر النهار، ومعنى نغدو أي نغدو في الصباح أي:
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي
وهناك في السنة حديث يؤيد هذا الكلام أن الرواح بمعنى الذهاب والمجيئ وهو حديث في فضائل المحافظة على الصلوات الخمس، وفيه: {أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح} أي: كل ما ذهب وأتى، لا بمعنى كل ما مشى في الصباح، لأن الصلوات خمس، ولا بمعنى أنه أتى في آخر النهار، فمعنى غدا أو راح هنا، أي أنه ذهب وأتى، ولذلك سوف يأتي تقسيم الساعات عند الغزالي من الشافعية، وعند الإمام مالك من المالكية، وعند الجمهور.