العنصر الثالث: هو الوقت الذي ضيعناه، والعمر الذي صرفناه، يقول عليه الصلاة والسلام: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ} تجد الشاب صحيحاً معافىً غنياً، عنده كل أسباب الحياة، عنده سيارة وبيت ومكتبة، فتأتيه فإذا هو أكسل الناس، فهو لا يصرف وقته إلا في الهوى واللعب، يتحدث مع فلان وعلان، ويركب ويجتمع ويجلس مع مَن شاء، فهذا هو الذي خسر عمره في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] أتحسب أن هذا الوقت الذي تصرفه لا يحاسبك الله عز وجل عليه، ولا يوقِفُك يوم القيامة، يقول صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه -: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: وذَكَرَ منها: وعمره فيما أفناه}.
عمرُك والله لتسألن عنه دقيقة دقيقة، وثانية ثانية
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني
مجلسُنا الذي جلسناه من يوم أن بدأنا إلى الآن لا يعود هذا الوقت الذي فرض فيه، ولو اجتمع أهل العالم لكي يعيدوا هذا الوقت فإنهم لا يستطيعون أن يعيدوه أبداً؛ لأنه انتهى من أعمارنا.
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجات من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي
ولذلك نحن نتقدم خطوة خطوة إلى الموت والهلاك والفناء ونحن لا نشعر، فالله الله! كم من ساعة ضيعناها! ولا إله إلا الله! كم من يوم صرفناه في المعصية وفي الهوى واللغو وفي الإعراض عن الله! وبعدها ندَّعي أننا شباب الإسلام وأننا أمل الأمة!
أخي في الله: إن أمل الأمة أن تقرأ وتحقق وتواظب وتجد وتجتهد، فلا تضيع ساعاتك الطويلة في اللهو واللعب والغناء ومع كل من هب ودب.
نفسي وإياكم باغتنام الوقت وصرفه فيما ينفعك عند الله، وأن يكون عندك برنامج يومي تعرف على منواله وعلى ضوئه حياتك، وتسير حتى تلقى الله عز وجل، فالقرآن وقت تقروءه فيه، ولمذاكرة دروسك وقت، ولصلاتك وقت، فلا تتخلف عن هذه الأشياء ولو تخلَّفَتْ الشمسُ فأتت من المغرب ولم تأت من المشرق، والزيارات والجلوس مع الإخوان لها وقت خاص، ووقت لمطالعة المكتبة ولجلوسك مع كتبك، من الكتب الصفراء كتب العلم والسلف الصالح، التي لمَّا تركناها ورجعنا إلى المجلات الخليعة هَبَطَت عقولُنا، وسَخُفَت أرواحُنا، وضاعَت بيوتُنا، وشاهَت أخلاقُنا، ودُمِّرَت عقولُنا لما تركنا الإنتاج الهائل الذي تركه أجدادنا لنا أتدرون كيف كان حفظهم يقول الذهبي عن ابن عقيل، أحد علماء الأمة: ألَّف كتاباً عدد أجزائه سبعمائة مجلد مخطوط، وهو موجود كما يقول أهل العلم.
يقول ابن تيمية النوافل: وهي ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، فمن داوم على ترك هذه النوافل والركعات التي جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم سنناً رواتب فإنه فاسق تُرَدُّ شهادتُه -نسأل الله العافية! - فليت ابن تيمية يدري أن منا من يترك الصلاة! وأن منا من يتهاون بها! وأن منا من يدخل عليه الوقت ويخرج وهو لم يهتم بالصلاة ولا انضبط مع أمر الله عز وجل! مسلمٌ يسمع: (الله أكبر) ولا يقوم فيتوضأ! أيُّ مسلم هذا؟! يقول الله في المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] يقومون ببرود، فإذا أردت أن تعرف المنافق فلا تعرفه بلونه، أنَّه أحمر أو أسود أو أصفر، ولا بشكله، ولا بعضلاته؛ بل تعرفه بموقفه من الصلاة، إذا رأيتَه - عندما يؤذن المؤذن - يتكاسل ويتهاون فاعلم أن فيه نفاقاً.