ومن سادات المسلمين الذين تعلموا القرآن وعاشوا على القرآن أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه، دخل عراقي والصحابة مجتمعون في المسجد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى السلام، فإذا عمر بن الخطاب، وهو خليفة يتكلم بينهم، كلما تكلم التفت إلى رجلٍ منهم، فقال العراقي: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: [[ثكلتك أمك، أما عرفت هذا، هذا سيد المسلمين أبي بن كعب، أنزل الله عز وجل: {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ} [البينة:1] وأمر جبريل عليه السلام يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ هذه السورة على أبي بن كعب]] يا للفضل ويا للشرف! شيخ يجلس بين يدي تلميذه، شيخٌ يعرض العرض بين يدي طالب من طلابه، فيأتي عليه الصلاة والسلام بتواضعه وحسن خلقه، بالسورة هذه في صدره، ويطرق الباب على أبي بن كعب، فيخرج أبي، ويقول: {فداك أبي وأمي يا رسول الله! شرفتني بزيارتك، والله ما من أهل الأرض أحدٌ يشرف بزيارة أحد إلا أنا هذا اليوم} فلما بسط له البساط، وجلس صلى الله عليه وسلم قال: {يا أبي! قال: لبيك يا رسول الله، قال: إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لم يكن الذين كفروا) قال أبي -مندهشاً متعجباً-: أسماني ربي في الملأ الأعلى؟! فقال صلى الله عليه وسلم: إي والله لقد سماك في الملأ الأعلى، فبكى رضي الله عنه وأرضاه، واندفع صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه القرآن}.
وصلى عليه الصلاة والسلام بالناس فتجاوز آيةً من سورة نسيها، فلما سلم صلى الله عليه وسلم قال الصحابة: {يا رسول الله! نسيت آية، أنسخت أم نسيتها؟ قال أفي القوم أبي بن كعب، ولم يسأل إلا عنه، فقال: نعم يا رسول الله! قال: يا أبا المنذر! أنسيتُ آية، قال: نعم} فتأكد صلى الله عليه وسلم لما أعطى أهل التخصص تخصصهم، وأنزل أهل التخصص منازلهم، على حد قول المثل: أعط القوس باريها.
يقول عليه الصلاة والسلام وهو يجلس مع الصحابة ومعهم أبي بن كعب: {يا أبي! أي آيةٍ في كتاب الله أعظم؟ قال: الله ورسوله أعلم.
! قال: أي آيةٍ في كتاب الله أعظم؟ قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم -آية الكرسي- فضرب صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: ليهنك العلمُ أبا المنذر}.
هذا هو العلم النافع المفيد في الدنيا والآخرة، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يشغلهم شاغلٌ عن القرآن، وكثيرٌ من الناس اليوم يعتذرون بأطفالهم وبأسرهم، وبتجارتهم وبمناصبهم عن تلاوة القرآن وتدبره، فلا حياة لهم إذن.