أما عن الصعوبات التي لقيها ابن تيمية، فهي تتمثل في الآتي:
أولاً: وقوف السلاطين مع خصومه.
ثانياً: جرأة وحدة في طبعه رضي الله عنه ورحمه، هكذا خُلق؛ فما كان يلين، بل كان قوياً دائماً، فلو لان لتألف الناس رحمه الله.
ثالثاً: خطورة القضايا التي عالجها؛ فكان يتكلم في الأصول ولا يتكلم في الفروع؛ ما كان يتكلم في الحيض، والغسل من الجنابة مع أن هذه من العلم وهي مهمة، لكنه كان يتكلم في العقيدة والحاكمية، ويتكلم في قيادة الناس إلى الله، ويتكلم في محاربة الطاغوت الحي قبل الميت وهنا طواغيت في الأمة الإسلامية يحكمون بغير ما أنزل الله، وتجد بعض الناس يتكلمون دائماً في القبور، وفي النذر، وفي الكواكب، وفي عبادة الشجر، وهؤلاء هم أكبر الطواغيت فهو يتكلم إلى الطاغوت الحي قبل الميت.
رابعاً: كثرة الخصوم وتعدد الجبهات.
فإلى أين يتوجه ابن تيمية؟ مرة إلى الصوفية، ومرة إلى الفلاسفة، ومرة إلى متعصبة الفقهاء، ومرة يتعرض للمغول من التتر، ومرة يتعرض للظلمة من السلاطين، ومرة إلى جهلة العامة ففي كل مكان له كمين.
من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى
خامساً: الحبس والكبت.
فقد حبس وكبتت أنفاسه فما يزداد إلا قوة، كالبركان كلما حبسته انفجر بقوة وعنف.
سادساً: الجلد والتشهير فقد جلد وشهر به، وتكلم في عرضه في كل مجلس؛ وما زاده الله إلا رفعة.
وفي الختام: نجاح منقطع النظير يحققه ابن تيمية في عالم الدعوة، وينتهي إلى أن يُعقد إجماع من قلوب الموحدين في الأمة، ويكون هو رجل الساحة، ورجل الساعة في فترته، ويستمر عطاؤه وبذله حتى هذا الحين، وتحيا كتبه حياة تنفض الغبار عن رءوس الجامدين، وتنفض الجهل عن قلوب الراقدين الغافلين، وتيقظ رءوس اللاهين السادرين.
فرحمك الله يـ ابن تيمية، وهنيئاً لك الفردوس -إن شاء الله- ونسأل الله أن يجمعنا بك في مستقر رحمته {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم:8] {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} [الحديد:12].
ومن أراد منكم أن يتزود من ترجمة شيخ الإسلام فعليه بـ العقود الدرية في مناقب ابن تيمية لـ ابن عبد الهادي، والأعلام العلية للبزار، وفي طبقات الحنابلة، وفي معجم الشيوخ للذهبي، وفي الدرر الكامنة لـ ابن حجر العسقلاني، وترجمته في البدر الطالع للإمام الشوكاني.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.