لقد كان أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر الناس خوفاً من الله؛ أتى أحدهم والرسول صلى الله عليه وسلم محاصر ليهود بني قريظة، فأرسله صلى الله عليه وسلم، وقال: {اذهب إلى هؤلاء اليهود، وفاوضهم علَّهم أن ينزلوا على حكم الله، فدخل على اليهود، فقال اليهود له وهم يتباكون نساءً ورجالاً شيوخاً وأطفالاً، قالوا: ترى ماذا يصنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخذته الرحمة لكن في غير موضعها، والرقة بأعداء الله، إخوان القردة والخنازير، فأشار إليهم ألا ينزلوا، وهي خيانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لم يتكلم، وإنما قال بيده على عنقه هكذا -أي: انتبهوا، لا تنزلوا فإنه سوف يذبحكم ذبحاً- وخرج من الحصن، وشعر أنه قد خان الله ورسوله، وخان دين الإسلام، فذهب إلى المسجد فربط نفسه بسارية في المسجد، وقال: والله الذي لا إله إلا هو، لا أطلق نفسي حتى يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ يبكي صباح مساء}.
فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بخبره قال: {{ما دام أنه قيد نفسه فوالله الذي لا إله إلا هو لا أطلقه حتى يتوب الله عليه}} وأتت التوبة من السماء، يوم اعترف بذنبه وخطيئته؛ فتاب الله عليه، فأتى صلى الله عليه وسلم فحل وثاقه بيده الشريفة.
وحين أنزل الله قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:2].
ومعناها: لا ترفعوا أصواتكم، وتأدبوا عند المصطفى، صاحب الرسالة الخالدة صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت أتى ثابت بن قيس بن شماس وهو خطيب الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يخطب في حماية الإسلام، وفي الدفاع عن الإسلام فيرفع صوته على صوت الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هذا مقصوداً في الآية، لأن الآية تعني الذين لا يتأدبون، أما هو فيرفع صوته براية الحق، فذهب فأغلق بابه في البيت؛ فبكى حتى كادت أضلاعه أن تختلف وقال: {والذي لا إله إلا هو، لا أخرج من بيتي، حتى يتوب الله علي أو أموت في بيتي]] فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة فقال: أين ثابت قالوا: يا رسول الله! نزلت الآية فظن أنها فيه فأغلق عليه بابه ولم يأكل ولم يشرب، وحلف ألا يخرج حتى يتوب الله عليه أو يموت في بيته، قال عليه الصلاة والسلام: بشروه أنه من أهل الجنة، فأتوا يطرقون عليه الباب ويبشرونه أنه من أهل الجنة، فبكى حتى أغمي عليه} حياء من الله.
وهذا هو فعل المؤمن يتقي الله ويخافه ويعظم حرماته، ويتهم نفسه.
والشاهد من هذا الكلام أنه ينبغي لنا أيها المسلمون الأبرار الأخيار! أن نعظم حرمات الله تبارك وتعالى، فحق على المسئول فينا ألا يتصرف ولا يعمل إلا وهو يعلم أن الله عز وجل حافظه ومتوليه وراعية، وأن يراقب الله في السر والعلن، وحق على من يكتب مقالة نثرية أو شعرية في الصحف والمجلات، أن يتق الله في نفسه، ويعرف أن الله سوف يجمعه ليوم لا ريب فيه.