كان عمر رضي الله عنه وأرضاه من أشد الناس خوفاً من الله، ومع ذلك كان صادقاً مع الله، وصادقاً مع الناس، ومع نفسه، قائماً لليل، وصائماً للنهار عادلاً فيما ولاه الله زاهداً في الدنيا، ومع ذلك يرى أنه هالك، فيبكي طويلاً ويقول: [[يا ليتني كنت شجرة تعضد]] ويقول لـ حذيفة الذي علمه صلى الله عليه وسلم أسماء المنافقين الذين لا يدخلون الجنة: [[يا حذيفة! أسألك بالله، أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟]].
لا إله إلا الله! إذا لم تكن يا عمر مؤمناً فمن هو المؤمن؟! وإذا لم تكن صادقاً فمن هو الصادق؟! وإذا لم تكن مخلصاً فمن هو المخلص؟! لا إله إلا الله! بذلت مالك ودمك في خدمة لا إله إلا الله، وتبكي على نفسك أن تكون منافقاً!
جلس الصحابة في مجلس، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام: {أيكم يحفظ قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا، قال عمر: إنك عليها لجرئ -أي: تستطيع أن تتكلم في هذه المواضع الخطيرة- قال: نعم.
قال: ماذا سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الفتنة؟ قال: يقول: فتنه الرجل في أهله وماله، يكفرها الصوم والصلاة والصدقة، -أي: سبه وشتمه لأهله، كفارتها الصوم والصدقة والصلاة- قال عمر: ليس عن هذا أسألك، لكن عن الفتنة التي تموج موج البحر، ما هي كفارتها؟ -أي: فتنة الدماء، وفتنه أن يسل السيف على المسلمين، وفتنة الاختلاط، والزندقة والنفاق والإلحاد- قال حذيفة: يا أمير المؤمنين! لا تخف، إن بينك وبينها باباً قال: أيفتح الباب أم يكسر؟ والباب في الفتنه هو عمر بن الخطاب فيوم قتل بدأت الفتنه، وسل السيف على الأمة المحمدية، وبدأت الفتنة في الجزيرة العربية تموج موج البحر، قال: يا أمير المؤمنين! إن دونك ودونها باباً، قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: بل يكسر، فدمعت عينا عمر وقال: الله المستعان! فسئل حذيفة: هل علم عمر من هو الباب؟ قال: إي والذي نفسي بيده، إنه علم كما علم أن دون الليلة البارحة} ويوم اغتيل أتته سكرات الموت، رضي الله عنه وأرضاه فما بكى على أطفاله أو على أمواله أو منصبه، أو وظيفته، ولكن بكى ذنوبه وخطاياه.
حياءً من إلهي أن يراني وقد ودعت دارك واصطفاك
فيقول: [[يا ليت أمي لم تلدني]] ودماؤه تثعب، مات شهيداً في سبيل الله، قالوا: مالك، قال: [[ذنوبي وخطاياي يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت شجرة تعضد، يا ليتني ما توليت خلافة، يا ليتني ما عرفت الحياة]] هذا وهو عمر رضي الله عنه وأرضاه، فكيف بنا أهل الذنوب والخطايا؟ ذاك وهو المؤمن الذي يصوم ويتصدق، ويعمل صالحاً، ويتوب ويخاف من الذنوب.
والمنافق يترك الصلوات، ويلعب بالمحرمات، وينتهك حقوق الواحد الأحد رب السماوات، ويضحك.
ويتكلم بالنفاق، ويعمل بالنفاق ويضحك.
إذا بايع الناس غش وظلم، وإذا أخذ المال وأعطاه رابى، وإذا خاصم فجر وشهد شهادة الزور، ولعن وتعدى وهو يضحك قاطع للرحم عاق للوالدين فاجر في بيته ومجتمعه، وفاجر مع أمته وهو يضحك.