تعريفات الحياء عند أهل السنة والجماعة كثيرة أبسط بعضها، وبعضها أتركه اختصاراً.
قيل: الحياء هو أن تذكر الآلاء والانكسار من عدم القيام بالحق.
تذكر الآلاء: أي: أن تتذكر النعم التي أنعم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بها عليك؛ فتنكسر وتخجل وتستحي أن تعصي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, هذا من الحياء.
ولذلك يؤثر أن رجلاً أتى إلى مالك بن دينار رحمه الله فقال: يا مالك! إنني تبت إلى الله من المعاصي إلا معصية واحدة، قال: وما هي؟ قال: كبيرة من الكبائر، قال: تب إلى الله، واتركها، قال: لا أستطيع.
قال: سوف أعرض عليك أموراً.
إذا أردت أن تفعل هذه المعصية فلا تعص الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في أرضه.
فقال الرجل: إلى أين أخرج؟ والأرض كلها أرض الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؟
فقال: كيف تعصي الله تبارك وتعالى على أرضه، أيدخلك داره، ثم تعصيه فيها؟!
قال: إذا أردت أن تعصيه فلا تأكل من طعامه، ولا تشرب من شرابه.
قال: ومن أين آكل وأشرب؟ والأكل والشراب من رزقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
قال: فكيف تستعين بنعمه على معاصيه؟!
قال: فإن لم تستطع وعصيته فحاول ألا تلقاه يوم القيامة.
قال: لا أستطيع إلا لقاءه.
وفي الرابعة قال له: وإذا أردت أن تعصيه، فاختبئ في مكان لا يراك فيه.
فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأتوب إلى الله.
فإذا تذكر الإنسان الآلاء؛ فإنه يعود بإذن الله من المستقيمين والتائبين إلى الله عز وجل.
التعريف الثاني: قالوا: هو انتفاض النفس خشية المكروه.
بعض الناس يترك أعمال الشر لا ديناً منه، ولكن حياء من الناس، وهذا محمود، ولو أن من تركها مخافة من الله أحمد منه، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا لم تستح فاصنع ما شئت} وهذا حديث ثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
قال أهل العلم: الحديث يحمل على معنيين اثنين:
إما أن المعنى: إذا لم تستحِ من الله عز وجل فما عليك، أي: فقد انفرط حبلك، فافعل ما شئت من الكبائر، وارتكب ما شئت من المعاصي، هذا معنى.
والمعنى الثاني: إذا لم تستحِ من الشيء، وعلمت أنه حلال، وأنه مباح، وعلمت أنه ليس معصية، فافعله، فإنه مباح وحلال.
وهذان المعنيان واردان في شرح الحديث.
أما التعريف الثالث للحياء: فهو حفظ الجميل بترك القبيح، يعطيك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فتكافئه بالطاعة.
ولذلك ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: {عجباً لك يابن آدم! ما أنصفتني، خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إليَّ بالمعاصي وأنت فقير إليَّ، في كل يوم لي إليك رزق نازل، وفي كل يوم لك إليَّ عمل سيء صاعد} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
يقول: ما أنصفت أي: ما عدلت في الخصومة بيني وبينك، وفي هذا تذكير بالآلاء, وحفظ الجميل بترك القبيح يحمل صاحبه على الحياء من الله.
والتعريف الرابع للحياء هو: مراقبة القهار مخافة من النار، وبعداً من العار.
فإن من لم يراقب الواحد القهار، فعليه أن يخاف من النار، فإن لم يخف من النار، فليخف من العار في الدنيا؛ لأن المعاصي تكسب صاحبها ذلة ووصمة لا يعلمها إلا الله، ولذلك يقول سعيد بن المسيب رضي الله عنه وأرضاه: [[الناس في كنف الله، وفي ستر الله، فإذا شاء أن يفضح أحدهم؛ أخرجه من كنفه ومن ستره، والمفضوح من فضحه الله]].
وهذا الذي يصاب بالخذلان؛ لعدم إخلاصه في القصد والتوجه إلى الله عز وجل، فإذا افتضح بالمعاصي؛ أصابه الخذلان, نسأل الله العافية.