ورأى الرسول عليه الصلاة والسلام يولي أصحابه الإمرة، هذا أمير في نجران، وهذا في اليمن وهذا على مشارف الجزيرة، وهذا في مكة وهذا على الجيش.
أتى أبو ذر يريد أن يعرض نفسه وقال: يا رسول الله! وليت فلاناً وفلاناً ولم تولني الإمرة ألعجزٍ؟ أم لخيانة؟
قال: لا.
لكنني أصونك، يا أبا ذر! {إنها لخزي وندامة يوم القيامة، إنك رجل ضعيف وإنها أمانة} فلم يوله الإمرة -فبقي معه- وكان عليه الصلاة السلام ويلحظ فيه قوة الشخصية؛ لأنه صادق لا يحب المجاملة، ولا الرياء ولا النفاق، كان يصدع بالحق.
يقول: {يا رسول الله! إذا متَّ فمن يلينا؟
قال له عليه الصلاة والسلام: كيف بك إذا أدركت قوماً يؤخرون الصلاة تعرف منهم وتنكر فما أنت فاعل؟ قال: آخذ سيفي فأقاتلهم حتى أموت، قال عليه الصلاة والسلام: لا.
صلِّ الصلاة في بيتك، فإذا أدركتهم فصل معهم ولا تقل قد صليت، واصبر ولو جلدوا جلدك وأخذوا مالك} ثم قال عليه الصلاة والسلام: {إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج من المدينة} معنى ذلك: إذا كثر العمار في المدينة وأصبحت المدينة متحضرة وكثرت أسواقها والجاليات بها، فاخرج أنت بأهلك إلى الصحراء، وانصب خيمتك هناك، ولا تخالط الناس، لتبقى شفافاً، لماعا، ً نقيا، ً نظيفاً من الدنيا.
هذا هو معنى كلماته عليه الصلاة والسلام، وبالفعل خرج أبو ذر وحده إلى الصحراء، ولكن لا تزال الذكريات.