فكان أعبد الناس لمولاه هو الرسول عليه الصلاة والسلام! يقول الله له: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: الموت، لا كما قال غلاة المنحرفين: اعبد ربك حتى تتيقن بوحدانيته ثم اترك العبادة؛ وقد كذبوا على الله، معناه: اعبد ربك في الشتاء والصيف، في الِحِلِّ والترحال، في الصحة والسقم، في الغنى والفقر؛ حتى يأتيك الموت {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:1 - 5].
{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1] قم لإصلاح الإنسان.
{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1] في لحافه؛ قم لهداية البشرية.
{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل:1] في فراشه؛ قم لهداية الإنسانية.
فقام عليه الصلاة والسلام ثلاثاً وعشرين سنة، ما نام ولا استراح، أعطى الإسلام دمه ودموعه، أعطى الدعوة ماله وكيانه، أعطى الإسلام ليله ونهاره؛ فما نام ولا ارتاح ولا هدأ؛ حتى أقام لا إله إلا الله.
يأتيه الحزن، والهم، والغم، فيقول: {أرحنا بها يا بلال} أي: بالصلاة.
تأتيه المصائب، والكوارث، فيقول: {أرحنا بها يا بلال}.
تأتيه الفواجع، والطوارق، والزلازل، فيقول: {أرحنا بها يا بلال}.
يموت أبناؤه، وأحبابه وأصحابه، ويقتل جنوده، ويهزم جيشه فيقول: {أرحنا بها يا بلال}.
يقول صلى الله عليه وسلم: {وجعلت قرت عيني في الصلاة} ما كان يرتاح إلا إذا قام يصلي، إذا قال: الله أكبر؛ كبرَّ بصوتٍ تكاد تنخلع لصوته القلوب، فيضع يديه على صدره فيقول: الله أعظم من كل شيء؛ لأنه الكبير سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقف متواضعاً، متبتلاً، متخشعاً، عبداً متذللاً أمام الله.