الحمد لله الواحد القهار، مكور النهار على الليل والليل على النهار، أحمده ما فاحت الأزهار، وما ترعرعت الأشجار، وما تدفقت الأنهار، وما أناب إلى ربهم الأبرار، وعاد إلى مولاهم الأخيار.
والصلاة والسلام على المبعوث بالوحدانية، المشرف بالعبودية، الذي هدى به الله الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
فيا أيها الناس: إن الأمم والشعوب والدول تفتخر بعظمائها، وتبني المجد لأمجادها، وتؤسس التاريخ لمنقذيها، وما علمنا والله، وما عرفنا تالله، وما فهمنا وايمُ الله أعظم ولا أجلَّ، ولا رجلاً أسدى لبني جنسه ولأمته من المجد والعطاء والبناء أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما ترى ما يفعل الإنجليز والألمان والفرنسيون والأمريكان بعظمائهم!!! وعظماؤهم سفكة عملاء خونة بنوا مجدهم على الجماجم، وسقوا زروع تاريخهم من الدماء؛ قتلوا الأطفال والنساء.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرامٌ أن يجعل في مصافِّهم، أو أن يقارن بهم، إنه صلى الله عليه وسلم من طراز آخر، إنه نبيٌ وكفى، إنه رسولٌ فحسب، تلقى تعاليمه من ربه تبارك وتعالى.
والعجيب أنهم مع تعظيمهم لهؤلاء العظماء والأذلاء والرخصاء يزرون بنبينا عليه الصلاة والسلام، غريب هذا الأمر، وعجيب هذا السبب:
إذا عيَّر الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت كسيفةٌ وقال الدجى للبدر وجهك حائلُ
فيا موت زُر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جِدِّي إن دهرك هازل
الرسول عليه الصلاة والسلام إذا سمعت عن عظيم فاعلم أنك إذا رأيته كان أقل مما رأيته، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه أعظم وأعظم مما تسمع عنه.
واليوم نتحدث عن جانب العبودية في حياته صلى الله عليه وسلم.
كيف عاش عبداً لله؟
ما هي عبادته لله؟
كيف كانت صلاته؟
كيف كان يصوم؟
ما هو ذكره لله تبارك وتعالى؟
مدحه الله في القرآن بالعبودية، فيقول له: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] ويقول له: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:19] ويقول: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1].