السبب الثالث: ترك الاحتساب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
من أسباب الفتن: أن تصدف الأمة وتترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظهرياً، ويعتذر جمهور الناس بأن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هيئة مسئولة تقوم بذلك، ويقول أحدهم: نفسي نفسي، ولا دخل لي في أمر الناس، والله يقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79].
أخبر عليه الصلاة والسلام {أن الرجل من بني إسرائيل يلقى الرجل في أول النهار، فيقول: اتق الله لا تفعل هذه -يعني: المعصية- قال: ثم لا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه من آخر النهار} وهذا كفعل بعض الناس: يرى أحدهم الآخر على المعصية والانحراف ولا يمنعه أن يكون صديقه وجليسه، وسميره وحبيبه وقريبه.
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] لماذا؟
{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].
يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[والله لا يتم أول الآية حتى يتم آخرها]] يعني: لا نكون خير أمة حتى نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله.
يقول عليه الصلاة والسلام لـ أبي ثعلبة الخشني: {مر بالمعروف، وانه عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرةً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك خاصة نفسك ودع أمر العوام}.
والمقصود من هذا: أن على المسلم أن يأمر بالمعروف بجهده وطاقته، لكن بالحكمة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] لماذا يموت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
لماذا يُرى أهل المعاصي على الأرصفة وفي السكك والشوارع؟!
المساجد تشكو إلى الله عز وجل من كثرة قطيعة المصلين، الحي الواحد يكتظ فيه مئات السكان ولا يصلي فيه إلا الأفراد، خاصةً في صلاة الفجر.
بعض البيوت فيها ثمانية أو أكثر أو أقل، ولا يصلي إلا الواحد والاثنان، أليس هذا منكراً؟
أما يعلم الجار بجاره أنه لم يصل في المسجد؟!
أما يعلم الجار أن جاره أكل الربا، واستمع الغناء، وخالف منهج الله؟!
فما أمره ولا نهاه.
من أعظم الفتن التي نعيشها نحن الآن: موت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان أجدادنا -كما تعلمون- على قلة علمهم، وقلة الوسائل التي توعيهم، يأمرون وينهون، ولكن أتينا في فترةٍ لا أمر ولا نهي فيها، وانحصر الأمر والنهي حتى فشت المعصية.
قبل سنوات، ما يقارب العشرين سنة فيما أخبرنا به، أو أكثر كان شارب الدخان إذا مر بإحدى المدن يوصم بوصمة من الناس ويوقف ويحاسب على فعله هذا، لأنه خالف منهج الله، والآن أصبح أمراً سهلاً عادياً يتناوله الناس في المجالس والسيارات وفي المكاتب وفي بعض الفصول، وأصبح من ينهى عن الدخان كأنه معتوه.
كان قديماً حلق اللحية يعتبر كأنه من الكبائر، لكن استَمرت الأمة على هذا وأصبحت ذنوب الأمة أعظم من حلق اللحية، الربا والزنا، موالاة أعداء الله عز وجل والتشبه بأعداء الله، الإعراض عن منهج الله، ترك الصلوات كل هذا أصبحت بجانبه هذه الأمور من الصغار، حتى إن الدعاة الذين يتكلمون -مثلاً- في تطويل الثياب، وفي حلق اللحى يقال لهم: لا يعرفون إلا هذه المسائل، ويقال لهم: ليس عندهم فقهٌ ولا بصيرةٌ؛ بسبب موت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد وصف عليه الصلاة والسلام أن الأمة يوم لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر كمثل من ركب سفينة، وقام بعضهم بخرق السفينة، فإن تركوهم هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن نهوهم، نجوا ونجوا جميعاً.