نقض العهد

السبب الثاني: نقض العهد مع الله.

كيف؟ الأمة التي عاهدت الله أن تنصر دينه، ثم نقضت عهدها بأن تولت إلى حطام الدنيا وإلى الشهوات والمغريات والنزوات، ولم تشكر الله، ولم تقم بميثاقه، هذا نقض.

من نقض ميثاق الله: استبدال شريعة الله بشريعة أخرى.

من نقض ميثاق الله: موالاة أعداء الله.

من نقض ميثاق الله: الركون إلى أهل المعصية وتقديمهم على أهل الطاعة، قال سبحانه: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13].

يقول الحسن البصري: [[يا من دائماً ينقض الميثاق مع ربه: أما تخشى أن يقول لك في يوم من الأيام: هذا فراق بيني وبينك]].

موسى رافق الخضر عليهما السلام، فاعترض عليه ثلاث مرات، قال له أولاً لما خرق السفينة: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} [الكهف:71 - 73] فعذره، ثم مشى معه، فلما قتل النفس، قال: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} [الكهف:74 - 76].

لأنه قال له هنا: ألم أقل لك؟ وقبل قال: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ} [الكهف:72] فزاد الجار والمجرور تأكيداً له وتبييناً -لام العهد- أما قلت لك قبل قليل ونسيت {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} [الكهف:73] قال بعدها: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} [الكهف:76] فلما بنى الجدار الذي يريد أن ينقض، اعترض عليه؛ فقال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78].

وقف عليه الصلاة والسلام عند هذه، وكان يتابع القصة بشغف وبعاطفة، ويتابعها بحياة، قال: {رحم الله موسى استعجل ليته صبر حتى يقص علينا من خبرهما}.

كان عليه الصلاة والسلام مشتاقاً وشغوفاً ومتولهاً لأن يسمع كثيراً من القصة، لكن موسى عليه السلام استعجل ولم يصبر، قال صلى الله عليه وسلم: {ليته صبر حتى يقص علينا من خبرهما}.

الشاهد: قال الخضر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] فيقول الحسن: [[الخضر لم يتحمل ثلاث مرات، فأنت يا من ينقض عهده مع الله في كل يوم مرات أما تأمن من الله أن يقول: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78]]] وهذا للناقضين عهد الله.

يقول الله عن بني إسرائيل: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة:13].

هنا عقوبات، ولكن كيف نقضوا؟ قال أهل العلم:

أولاً: أول نقض مخالفة نبيهم موسى عليه السلام.

ثانياً: عاهدوا الله في ترك الربا، ثم أكلوا الربا جهاراً نهاراً.

ثالثاً: فشا فيهم الزنا، وما أنكر منهم منكر.

رابعاً: توعدهم الله في عدم الصيد يوم السبت، فصادوا يوم السبت وأخذوا السمك يوم الأحد، وقالوا: لا صيد.

خامساً: حرم الله عليهم شحم الميتة، فجملوه وباعوه وأكلوا ثمنه.

إلى غير ذلك من نقض العهود.

قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة:13] فهم ملعونون على كل لسان نبيٍ مرسلٍ، وكل ملكٍ مقربٍ، وكل وليٍ صالحٍ.

قال تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:13] يقول أهل العلم: اليهود المخالفون لو تناطحت جبال الدنيا أمام أعينهم ما اتعظوا!! ولذلك تجد من يقع في المعاصي، ومن يتهتك في الحرمات، والله لو أنذرته بالكتاب والسنة ليلاً نهاراً ما ارتدع.

ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخٌ قد تفتى

إذا ما لم يزدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا

وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا

مشيت القهقرى وخبطت عشوا لعمرك لو وصلت لما رجعتا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015