رسالة من فتاة

فهذه رسالتها والله الشاهد، كتبتها ورمزت لاسمها وأنا لا أذكر الرمز، ولكن أقرأ الرسالة، وعفواً قد يكون في أسلوبها هي ركاكة في بعض النواحي لا في أسلوبي، أعاذني الله وأعاذها الله لكني أقرؤها كما كتبت وفيها بعض الكلمات العامية، وبعض التحريفات اللغوية، والنحوية لكن للأمانة أقرؤها كما هي عليه.

قال الجدار للوتد: لماذا تشقني؟! قال: اسأل من يدقني؟! فأنا أقرأ عليكم ما وجدت.

تقول: فضيلة الشيخ فلان بن فلان، حفظه الله وسدد الله خطاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سمعت محاضرتك الحقيقة أن هذه رسالة -هذا كلامي- تحمل لوعةً وأسى وحرقة، والله لقد تأثرت وكل مسلم يتأثر، وإنها صادقة فيما كتبت من معاناتها، وللعيون دلالةٌ على الصدق وللأقلام وللخطوط وللآثار.

قالت: سمعتُ محاضرتك: رسالة إلى الفقراء، أو من الفقراء، وتلك الرسالة التي كتبتها إليك الأخت الغيورة بل المقهورة، من ظلمٍ واستبداد والدها، فحركت شجوني، الآن هي تشكو المجتمع، وتشكو الشباب، وتشكو والدها، وتشكو زوجها، الذي تزوجها وطلقها، واسمعوا:

قالت: فحركت شجوني التي ما سكنت، وجرحي الذي أبداً ما التأم، وحزني المضني القاتل، فأمسكت قلمي ومداده دم قلبي الممزق، ودمع عيني الباكية أبداً، وكأنما بصيصٌ من الأمل يتراءى لي من بعيد، وإلا فوالله، ثم والله، ثم والله الذي لا إله إلا هو، أنني قد يئست من كل شيء، ومن كل أحدٍ من أهل الدين والدعاة والصالحين وأهل الخير والمروءة، ومن القضاة، والعلماء، وو إلا من رحمة الله

فهي الشيء الوحيد الذي يعزيني فأنا واثقةٌ بل موقنة مؤمنة برحمة الله: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] ذلك أنني أيها الشيخ الفاضل، ووالدي الكريم، وأخي الرحيم، عشت مأساةً وما زلت أعيشها، وأسأل الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، أن يرفع عني عذابه، إن كان هذا عذاباً عليَّ أوقعه الله، ويربط على قلبي إن كان امتحاناً وابتلاءً ويرحم ضعفي وذلي وفقري إنه سميعٌ مجيب

يا أيها الداعية الكريم: إليك مأساتي وأيامي المظلمة السوداء، إليك الظلم والقهر الذي أعيشه، إليك معاناتي، أنا وأخواتي في الله، وإن كان لكلٍ منا مأساة، لكنها في النهاية تصبُ في قالبٍ واحد، وهي أننا بلا أزواج، بلا أطفال، بلا حياة، بلا أرواح، أجسادٌ بلا قلوب، حياة قتلها الألم والحزن، سأطيل عليك ووقتك ثمين، لكن تحمل -فقد تحملت أعباء أعظم من هذه الرسالة الثقيلة الظلم- أعمل معلمةً وفي آخر كل شهر يفتح الجابي (والدي) -يعني يجبي الصدقات، يجبي الراتب- يفتحُ والدي الجابي يده ويقول ادفعي جزية بنوتك وإسلامك، فأنتِ ومالك لأبيك -بعض الآباء لا يحفظ إلا هذا الحديث، وفيه ضعف عند بعض العلماء- قالت: بل الجابي كان يعلم منذُ أن كنتُ طالبة، أن محصولي سوف يُصبُّ عنده، وكلما طرق بابي طارقٌ قال: ليس بعد، يعني: كلما خطبها خاطب رفض الوالد، من أجل الراتب، وأقنعه كثير من أهل الخير ولكن ما اقتنع، فيذهب هذا الخاطب في حال سبيله يقول ما هو خير! هي لا تريدك، لا تقبلك، هذا جواب الوالد.

أما إن كان ممن هو أطول نفساً من هذا الخاطب، ويستطيع الصبر، ويستطيع المعاودة، فسوف ندخل في باب المديح الحار، فيقول له والدي: البنت حادة الطباع وغير جميلة، وو حتى يقول الخاطب: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وهلمَّ جراً.

وعاطفتي كشابة تريد الزواج والأسرة والمنزل الهادئ السعيد، وهكذا ركبنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأريد طفلاً يمنحني الأمومة يطغى على كل مشاعري، فأوسِّط الأعمام والأجداد، ولكن الأعمام يخافون ولا حول ولا قوة إلا بالله، والأجداد يردُ عليهم بردٍ يخرس ألسنتهم، يقول لهم أبي: هل أشتري لها زوجاً؟! ولا يدرون أنه تقدم لي العشرات من الأزواج، ثم يقول أبي: ما يريدها أحد من الناس، وهو يريدُ راتبي ومصروفي ودخلي، ثم تقول: شابةٌ فتاةٌ في مقتبل العمر، لا أمَّ لنا -تقول: أمها مطلقة- لا أخ، كلهم فروا من منزل أبي الجابي لسوء تعامله مع إخواني، وعندي زوجات أبٍ كالسيدات لا يضربن إلا باللَّي -هكذا كتبت باللَّي- هذه الفتاة عمرها يضيع وشبابها يقتل، وحتى قرشها والرزق الذي من الله يؤكل ثم ماذا؟

أنا في بلادٍ إسلامية!! معنا علماء ودعاةٌ وقضاة، أين هم عن هذه المعاناة؟

حدثتُ أبي توسلتُ إليه، وأخيراً، هددته إن لم يزوجني فسأبحث لي ثم ماذا كان رده؟!!

كنتُ أميل إلى الالتزام، وأصارع نفسي، وأجاهد الهوى والشيطان، ونصرني الله عز وجل على كثير من المعاصي، فقد تركتُ الغناء انتصاراً، وداومت على السنن الرواتب والوتر، وانتصرت في أكبر في مواطن يعلمها الله، وسوف يحفظها الله لي

-ثم استمرت في حديثٍ سبعة أسطر حذفته وهذا للأمانة العلمية أخبرتكم أني حذفته- تقول: وأخيراً أحضر أحد أعمامي رجلاً من طرفه، فزوجني والدي وأنا مكرهة؛ لأن هذا الرجل لا يخاف الله، انظر كيف منع الصالحين؟!

وانظر كيف تقدم لها هذا الفاسق فوافق؟!

ولكن والدي لم يكف عن نفث سمومه حولي، لا سامحه الله -أعوذ بالله، والله هكذا كتبت بين قوسين تقول لوالدها: لا سامحه الله- يقول: لا تعطي راتبك زوجك، واعطينيه وو وانظر إلى الجشع، والهلع، والجبن، كأنها نفوس اليهود، تقول: والزوج -هداه الله- فيه من قصور الدين، ومن ضعفه ما الله به عليم، ولكن ماذا تقول؟

كما قالوا: "إذا بليت يا فصيح فلا تصيح" بدأت أحاول معه لعل الله يهديه، فكان يحدث بيننا ما يحدث من شجارٍ أو زعل، خاصة عند صلاة الجماعة، ثم إلى السفر إلى الخارج، وهو يرتكب الكبائر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015