مؤانسة الله لموسى وتأييده بالمعجزات

واسمع الآن إلى المؤانسة، موسى الذي يظهر من القصة أنه خاف، سبحان الله! ترك امرأته وأطفاله مع غنم، في صحراء قاحلة مدوية ما فيها إلا الذئب.

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصَوِّت إنسان فكدت أطير

فهو كأنه خائف فأراد الله أن يؤانسه فبماذا يؤانسه؟ يحدثه عن أموره، ولذلك يقول الأسدي، وهو يمدح نفسه:

أؤانس ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب

وما الخصب للأضياف أن يكثر القِرى ولكنما وجه الكريم خصيب

يقول: من كرمي أني أحادث ضيفي وهو على راحلته قبل أن ينزل حتى لا يخاف، فلا أكشِّر في وجهه، لا أسكت فيخاف مني الضيف، بل أهش وأبش وأتبسم، وأسأله عن أحواله وأهله وأسرته، كما قال زهير في مدح الأول:

تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله

هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله

فالله أراد أن يؤانس موسى، وفي الصحيح: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ربما ربَّت على أكتاف بعض أصحابه، وفي سنن أبي داود بسند صحيح: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ يد معاذ رضي الله عنه وأرضاه فشبك يده بيده} وصح كذلك أنه ضرب في صدر أبي بن كعب، وفي صدر جرير بن عبد الله البجلي ليؤانسهم، فالله أراد مؤانسة موسى، والله يعلم ما في يمين موسى لأنه هو الذي خلق العصا، وهو الذي صنعها سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17].

سبحان الله! الله لا يعرف العصا! جل الله! بل يعرف العصا، ومن حمل العصا، والشجرة التي أنبتت العصا، والكافر الذي سوف يذهب إليه موسى بالعصا {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17].

وموسى تلطف، قال: ما دام ربي حليماً كريماً يسأل حتى عن العصا، فهو قريب إليَّ سُبحَانَهُ وَتَعَالى، كان الجواب في العربية أن يقول: عصا.

لكن يقولون: موسى وجد راحةً في الجواب، وفي كتب التفسير كـ ابن كثير وابن جرير وغيرهما: أن موسى إذا كلم الله وجد على وجهه النور أربعين يوماً يسطع على وجهه مِن نوره سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17] كان يكفي أن يقول: عصا، لكنه ارتاح للجواب ففصل الخطاب {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18]

كان يكفي أن يقول: عصا، لكنه ارتاح، وانطلق في المقال، وأعجبه الحال، قال: هي عصاي يا رب، أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى، وتكلف بعض المفسرين أن يقولوا: إنها كانت تضيء له في الليل، لكن ما أتى بهذا أثر إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم، إنما هذه إسرائيليات، ويكفي أن نقف مع القرآن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015