الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكٌ في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً.
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، كسر الله به ظهور الأكاسرة، وقصر بدعوته آمال القياصرة، الذين طغوا وبغوا حتى أرداهم ظلمهم في الحافرة، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
إلهي لا تعذبني فإني مقرٌ بالذي قد كان مني
وما لي حيلةٌ إلا رجائي وعفوك إن عفوت وحسن ظني
فكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضلٍِ ومنِّ
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني
أيها الكرام: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
حديثنا عن موسى عليه السلام، وعن دعوته الهائلة التي طرقت العالم، وعن قصصه العجيبة، وموسى عليه السلام له قطاع كبير في القرآن حتى قال بعض العلماء من السلف الصالح: كاد القرآن أن يكون لموسى، ما تكاد تقرأ سورةً إلا وتسمع قول الله يقرع أذنيك، ويصادف قلبك: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى} [هود:96] وموسى عليه السلام كانت دعوته على المستويات جدلية علمية، وعملية ميدانية، وحربية عسكرية، وموسى عليه السلام ذكر -كما أسلفت- في القرآن كثيراً، وذكر في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم طويلاً.
صح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لما قرأ سورة الكهف مع قصة موسى والخضر، وانتهت القصة بقول الخضر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] قال صلى الله عليه وسلم: {رحم الله موسى! لوددنا أنه انتظر حتى يقص علينا من خبرهما}.