هذه أمة لا تستحق الريادة، ولا تستحق أن تكون الأمة الوسط، أمة الخلافة، الأمة التي تحمل المنهجية والميثاق في العالم، الأمة التي تتسلم قيادة البشرية، فهي قبلة وكعبة.
كعبة للأفكار فتؤخذ أفكار الدنيا من أفكارها، وكعبة للشريعة فشريعة الناس من شريعتها السماوية، من الوحي الصافي الذي نزل من فوق سبع سماوات.
وقبلة في الريادة، وقبلة في الأدب وفي الفن، وفي الطموح وفي الإدراك، وفي التربية وفي التعليم، هذه أمة تستحق، أما أمة عاطلة ينزوي صالحوها بحجة ركعتي الضحى وصيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ فلا يأمرون ولا يدرسون، ولا يتكلمون ولا يخطبون، وعندهم وسوسة الخوف من غير الله فيحجمون، لا والذي لا إله إلا هو حتى يذوق الإنسان الأمرين من غير أن يقول: آح.
إذا سألت الله في كل ما أملته نلت المنى والفلاح
بهمة تذهب ماء الحصى وعزمة ما شابها قول آحْ
فليس في الطريق آه ولا آح، وإنما في الطريق صبر ومواصلة ومصامدة للباطل ومراغمة؛ حتى تكون العاقبة للمتقين، والخاتمة لأولياء الله، والنصرة لمن يهتدي بهدى محمد صلى الله عليه وسلم ومن يحمل الكتاب والسنة ومن يقوم على هذا المبدأ، ويقدم رأسه ودمه وكل ما يملك، ليرضى الواحد الأحد، فإذا رضي الله فهو المغنم.
وأنا أخبركم بكلمة وهي سر بيني وبينكم، والمجالس بالأمانات، والذي نفسي بيده لو دفع أهل الدنيا ذهبهم وفضتهم وقناطرهم المقنطرة وخيولهم المسومة والأنعام والحرث، ثم غضب الله عليهم فإنها لا تنفعهم شيئاً، وهي خزي في الدنيا والآخرة، فوالذي نفسي بيده لو عاش الإنسان فقيراً مسكيناً، شريداً طريداً، حبيساً مقيتاً مريضاً، ثم رضي الله عنه إنها سعادة الدنيا والآخرة، وهي الرضوان، ولذلك منى الله الصحابة ووعدهم بذلك، وكان وعده حقاً، وبشرهم وهم تحت الشجرة يبايعون: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18].
تخيل أني أنا وأنت تحت الشجرة نسمع قول هذا النداء الحبيب، والله عز وجل ينادينا أنه رضي عنا، ثم ننفض ثيابنا من الغبار، ثم نقوم وقد رضي الواحد الأحد عنا، أي فوز وأي مغنم هذا؟!