حذيفة بن اليمان صاحب قصة الفداء، والذي قدم نفسه رخيصة فحفظه الله في تلك الليلة، وأعطاه الله الجنة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدفع الثمن للصحابة سلعةً ليست برخيصة، وهي السلعة الغالية الجنة، لم يكن يمنيهم بالدنيا أبداً، ولذلك ينبغي على المسلم والمربي أن يجعل أماني أبنائه وتلاميذه وطلابه الجنة؛ فلا يقل لأبنائه: من يحفظ منكم جزءاً من القرآن؛ أعطيه سيارة، فإذا حفظ الجزء؛ أعطاه سيارة، فأخذ يفحط بها ويدور وينسى الجزء، وفي الأخير ينسى الصلاة فلا يصلي مع الناس في المسجد، ولا يجعل أمانيهم دائماً في الأكل والشراب والأموال، ليتعلق دائماً وهو يدعو في السجود، ويقول: اللهم نجحني لآخذ الأموال.
ولذلك لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر سوف تكون الخليفة بعدي، ولا قال لـ خالد سوف تقود الجيش، ولا قال لـ علي سوف يكون ترتيبك الرابع في الخلافة، فإن الدنيا سهلة وهينة.
ولذلك لما انتصروا، وقدمت لهم الدنيا؛ ما رضوا بها؛ لأنها لا تكافئ تعبهم، ولا توفي ما قدموه للإسلام، فإنسان يجهد ستين سنة ويتعب ويجوع ويضرب ظهره، ويمزق جلده في سبيل الله وبعدها يحصل على إمارة!!
إن الإمارة لا تكافئ هذا التعب، يقول: أنا لا أريد إلا الجنة، ولا أريد إلا رضا الله، حتى يدعى سعد بن أبي وقاص إلى الخلافة، فيقول: لا والله أنا لا أريد الخلافة، قالوا: لم؟ قال: أنا لا أسعى إلى الخلافة، فخلافة الدنيا لا تساوي تعب سعد بن أبي وقاص ساعة واحدة من نهار، حتى يقول: والله إني أولى بعد موت علي بالخلافة، وإني أولى بها من بردي هذا.
ولما حضرته الوفاة أخذت ابنته تبكي، فقال: [[ابكي أو لا تبكي، فوالله إني من أهل الجنة]] قال الذهبي: صدقت هنيئاً لك ومريئاً، والله إنه من أهل الجنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة.
فمن الدروس التربوية هنا: أن على الأستاذ والمربي وصاحب البيت أن يربي ابنه على هذا، فيقول: إذا حفظت جزءاً أو شيئاً من القرآن؛ دعاك الله يوم القيامة على رءوس الأشهاد، وألبسك حللاً من حلل الجنة، والحافظ منكم يدعوه الله كما صح في الحديث ويقول: {اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك أو درجتك عند آخر آية تقرؤها} وهذه الأماني والتربية التي أحدثها صلى الله عليه وسلم في الكون، ولذلك بقيت تربيته خمسة عشر قرناً.