إن الدعوة دور المجاهد المسلم الباحث عن الحقيقة، المستنير بنور الله، لا الخامل الذي يظن أنه أتى هنا موظفاً فحسب، تاجراً فحسب، جندياً فحسب، أستاذاً فحسب، معلماً فحسب، لا.
بل جاء أستاذاً وداعية، جندياً وداعية، تاجراً وداعية، فلاحاً وداعية، موجهاً وداعية، مفتشاً وداعية، وإلا فلا يتبوأ صهوة البراءة الأصلية عند أهل العلم ولا يكون من أهل الميثاق: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران:187] فنبذوا الرسالة وراء ظهورهم: {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] قال الحسن: [[الثمن القليل الدنيا وما فيها!]]
ماذا تجدي الدنيا عن رجل غضب الله عليه، ونقض ميثاق الله؟! لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يوجه ولا يؤثر ولا يوزع ولا يخطب ولا يغار ولا يغضب، إنما هو جثمان يأكل ويشرب ثم يموت، والله ذكر أعداءه أنهم ينفقون الأوقات والأموال والجهد قال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36] وهم يألمون ويخططون ويعملون ويشتغلون، لكن يقول المولى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:104] ويقول الشاعر:
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا
فنحن أهل عقيدة ورسالة، حملناها من القدم يوم أعلنها فينا عليه الصلاة والسلام، ووجه كل إنسان ليحمل أمانة الكلمة لا إله إلا الله.
يفور دمي وأنا أطالع تراجم أصحابه، وهم أمامه كالكواكب في المسجد، وهو شاخص على المنبر يتدفق بالكلمات عليه الصلاة والسلام، ثم يثير في قلوبهم لا إله إلا الله من جديد، كل يوم وهو يحرق في قلوبهم عناصر الوثنية.
يقول: {من يقتل خالد بن سفيان الهذلي فله الجنة، فيقول الشاب ابن أنيس: أتضمن لي الجنة؟ قال: نعم.
} فيقتله ويدخل الجنة بإذن الله، فليس عنده إلا الجنة، وهذه هي قيمة الكلمة التي أتى بها عليه الصلاة والسلام، قيمة لا إله إلا الله وثمنها، والبيعة الأولى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].