عبد الله بن رواحة في غزوة مؤتة

يقول عليه الصلاة والسلام: {لغدوة في سبيل الله أو روحة خيرٌ من الدنيا وما فيها} وسبب الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام ودع الصحابة صباح الجمعة للغزو في سبيل الله في مؤتة بعد صلاة الفجر، ثم قام وخطب الناس، وقال: يا أهل مؤتة! قائدكم زيد بن حارثة، فإن قتل فـ جعفر بن أبي طالب، فإن قتل فـ عبد الله بن رواحة، ثم أرسلهم على بركة الله، فودعوه ومشوا، فلما مشوا تخلف ابن رواحة ليصلي الجمعة مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وظن الرسول صلى الله عليه وسلم أن ابن رواحة قد مضى، فصلى صلى الله عليه وسلم الجمعة، وإذا ابن رواحة يودعه بعد الصلاة ويعانقه، قال: {أما ذهبت مع أصحابك؟} قال: وددت يا رسول الله! أن أراك آخر ما أراك على المنبر، فقال صلى الله عليه وسلم: {لقد فاتتك غدوة في سبيل الله، لغدوة أو روحة في سبيل الله، خيرٌ من الدنيا وما فيها} فقال الصحابة: يا بن رواحة تعودون بالسلامة إن شاء الله، قال:

لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وطعنةً ذات فرغ تقذف الزبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا

فرزقه الله الشهادة، يوم ورد المدينة ينظر إلى الناس ويبكي ويقول:

خلف السلام على امرئ ودعته في النخل خير مودعٍ وخليل

يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام، فنسي أهله وأطفاله وزوجته وإخوانه، وتذكر الحبيب عليه الصلاة والسلام، وأتى إلى المعركة، وكان يصوم -كما في البخاري - في السفر، وحضر المعركة مع صلاة المغرب وكان صائماً، فأتته النوبة، فقد قتل زيد بن حارثة أول النهار، وتقدم جعفر فقطعت يداه، واحتضن الراية، فقتل، فلما أتى الغروب، قال المسلمون: يا بن رواحة! يا بن رواحة، وإذا هو يأكل مع الغروب، لأنه يريد أن يتقوى، كان يأخذ من عرق بيده من اللحم، فلما سمع جلبة الصفوف ينادونه، ما عاد للطعم مذاق، وانتهى طعم الأكل، انتهى الطعام والشراب، أقبل على الجنة، فرمى ما في يده وأخرج اللقمة وقال:

أقسمت يا نفس لتنزلنه

لتنزلن أو لتكرهنه

إن أقبل الناس وشدوا الرنة

مالي أراك تكرهين الجنة

هل أنت إلا نطفة في شنة

فقاتل وقتل، وقام عليه الصلاة والسلام في المدينة وقد أراه الله المعركة من وراء ما يقارب ألف ميل، وعلم ما جرى في نفس اللحظة فقام وأخبر الصحابة، وقال: {ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تقدم زيد بن حارثة ثم بكى عليه الصلاة والسلام، لأنه رأى أسامة، قالوا: ما لك يا رسول الله؟ قال: شوق الحبيب إلى حبيبه، قال: فقتل، وتقدم جعفر الطيار، فقتل، وقد أبدله الله بيديه جناحين في الجنة يطير بهما في الجنة حيث يشاء، ثم تقدم ابن رواحة فقتل، والذي نفسي بيده لقد رأيتهم على أسرة ثلاثة من ذهب قد دخلوا الجنة} ثم يقول صلى الله عليه وسلم في آخر كلامه: {وتقدم خالد بن الوليد وهو سيفٌ من سيوف الله سله الله على المشركين، فأخذ الراية من غير إمرة، وفتح الله عليه} فهذه بعض المواقف للمجاهدين المسلمين.

ويقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: {أيما عبدٍ من عبادي خرج مجاهداً في سبيلي ابتغاء مرضاتي، ضمنت له -إن أرجعته- أن أرجعه بما صاب من أجرٍ أو غنيمة، وإن قبضته أن أغفر له وأرحمه وأدخله الجنة} أخرجه النسائي.

يقول أنس بن مالك: لما التقى المسلمون في اليمامة مع مسيلمة الكذابة، قال ثابت بن قيس بن شماس: يا أيها الأنصار! انتظروني، فانتظروه، فذهب فاغتسل وتحنط، ثم أخذ سيفه، وقال: بئسما عودتم أقرانكم، وبئس ما فعلتم، يقصد: مسيلمة، ثم قاتل رضي الله عنه وأرضاه، وقال بعض المؤرخين: حفر لقدميه في الأرض، ثم غرس قدميه، ثم ثبت في المعركه يقاتل حتى قتل في سبيل الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015