الفضيحة ليست بنصيحة، الفضيحة علامة فشل، والداعية لا يفضح الناس ولا يصرح بالأسماء على رءوس الأشهاد، والرسول صلى الله عليه وسلم استخدم أسلوب التورية والإمام الشافعي يكتب لـ أحمد رسالة يقول فيها:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
تعمدني بنصحك:
تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
أتريد أن تفضحني على رءوس الأشهاد لكي تقودني إلى الجنة؟ قلبي لا يرضى أبداً، هذه طبيعة وضعها الله في الناس، ولذلك كان يقف صلى الله عليه وسلم فيقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا فيعرف صاحب الخطأ خطأه ولا يدري الناس أن صاحب الخطأ أخطأ.
صاحبنا نحن أزد شنوءة من قبائلنا نحن أهل الجنوب، ابن اللتَبِيَة أو اللتْبِيَة كما ضبط عند ابن حجر وغيره، أسلم فوضعه صلى الله عليه وسلم على الصدقات، قال تذهب تجمع الزكوات من الناس والأغنام والمواشي وتأتي بها قال: أبشر حباً وكرامة يا رسول الله.
فيذهب إلى أهل الغنم فيؤدون له هدية، والهدية للعمال غلول لا تجوز، ولولا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عينه ما أهدوا له هدية، أتى في المدينة يسوق الغنم، وإذا بسربين من الأغنام في الميمنة وفي الميسرة، قال صلى الله عليه وسلم ما هذه؟ قال: هذه لكم، وهذه أهديت إلي، الرسول صلى الله عليه وسلم غضب.
وقال صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، دائماً الأخبار الخطيرة يبثها صلى الله عليه وسلم من على المنبر، لكن هل يقول على المنبر: ابن اللُّتْبِيَة؟ لا، قال: {ما بال أقوام أرسلهم لجمع الصدقات فيأتي أحدهم فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه، والذي نفسي بيده لا يأخذون كثيراً ولا قليلاً إلا أدوه يوم القيامة} أو كما قال عليه الصلاة السلام.
فقام رجل أسمر من الأنصار من الأمراء فقال: خذ عملك يا رسول الله! قال: ولم؟ قال: سمعتك تقول ما قلت الآن وقام رجل آخر بخيطين اثنين من صوف قال: هذا أخذته من غنيمة كذا وكذا، ومن غزوة كذا وكذا، قال صلى الله عليه وسلم: {كيتان من النار}.
إذاً: الشاهد التورية فلم يكن صلى الله عليه وسلم يظهر الأسماء، ولا يفضح على رءوس الأشهاد، ومخاطبة الناس فن، ولذلك ينصح -وهذه من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم- من يأتي إلى قبيلة أو مجتمع ألا يجرح شعورهم بل يمدحهم بما فيهم من الخير الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لبني عبد الله من بني شيبان: {يا بني عبد الله! إن الله قد أحسن اسمكم واسم أبيكم فاستقيموا أو أسلموا} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ليس الصحيح أن يأتي الإنسان إلى مجتمع فيسبه ويقدح فيه ثم يطلبهم إلى الهداية، القلب لا يتحمل، والشعور ينجرح، وماء الوجه يسكب، فحنانيك ترفق إنها القلوب.