أما الانقباض، والفظاظة، والغلظة، فهي أول خسارة في معالم هذا الدين، لذلك بعضهم يأتي إلى صاحب مكان -وهذا ورد في كثير من الأمكنة- فيقول له: يا فاسق، أغلق محلك.
لماذا تأتي بفاسق؟ ما موقع (يا فاسق) من الإعراب؟ هل هي مبتدأ أو خبر؟ هل هي فعل ماضٍ أو مضارع؟ لماذا أتيتَ بـ (فاسق)؟ أليس عندك في المعجم غيرها؟ ألا تحفظ غير هذه الكلمة؟ وأنتم تعرفون القصة المشهورة لأحد الوعاظ، الذي مرَّ بجزار فقال: "صلِّ يا حمار"، قال: "الحمار لا يصلي، لكن يا عدو الله أقْصِمُك بهذه الصامولة اليوم".
ثم أخذ يطارده؛ ليعلمه أدب الدعوة، الجزار يريد أن يلقنه درساً في الدعوة لا ينساه؛ لأن الحمار لم تكتب عليه الصلاة! فلو استبدل هذه الكلمة بلفظة أخرى لكان أحسن.
وبعضهم يجعل من الجزئية طريقاً حائلاً في طريق دعوته.
نُقل إلى بعض العلماء أن طالباً بادئاً دخل في مجلس، والمجلس ليس له، إنما لأحد الناس، دعاه يتغدى مع قوم ضيوف، فدخل المجلس، أتدرون ماذا فعل؟! وجَدَ على المخَدَّة مكتوباً عليها: (الله أكبر) فقام هذا الشاب، فأخرج مفتاح سيارته، ونقضَ المخدة من (الله أكبر) نقضاً، ثم قطع ما هو مكتوب عليها، فوَجَمَ صاحب البيت، وتكدرت الضيافة، وتحول البيت إلى صمت مُطْبِق، وإلى رعب مخيف، وإلى غضب لا يعلمه إلا الله، لماذا؟
أولاً: هل تكلمتَ بينَك وبين صاحب البيت؟
ثانياً: هل البيت لك؟
ثالثاً: هل استأذنته؟
رابعاً: أما في البيت من هو أكبر منك سناً، فتخبره؟
وفي الأخير أصبحوا ينقلون هذه الكلمة عن الدعاة جميعاً، وعن طلبة العلم، وشباب الصحوة، لأن أهل الخطأ أو أهل الانحراف، إذا وجدوا صورة واحدة عمَّموها.
قالوا: يفعلون ويفعلون، ومُتَزَمِّتون، وفيهم من الغلظة، وهي لم تقع إلا من شاب واحد، فجعلوها قاعدة مطَّردة، تسري على جميع الشباب.