Q ليس من شك أن منهج أهل السنة إثبات صفات الله وعدم تأويلها، فما هو القول في قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:15]؟
صلى الله عليه وسلم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:15] والقول الصحيح في هذه الآية إن شاء الله: أننا نثبت الصفة ما دام أنها وردت، فتثبت لله عز وجل أنه يستهزئ بمن استهزأ به، ونقول: إنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يستهزئ بمن يستهزئ به، كقوله تعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] فنثبت أن الله يسخر بمن يسخر به سخرية تليق بجلاله، واستهزاءً يليق بجلاله وقوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30] نثبت أن الله يمكر بمن يمكر به، ولا نؤول الصفة، ولذلك أتى بها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -كما قال ابن كثير - على باب المشاكلة والمجانسة، ولكن لما أتى بصفةٍ لا تليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كالخيانة قال: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} [الأنفال:71] ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة صفة نقص، بل قال: {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} [الأنفال:71] فالصفات تلك نثبتها كما وردت وكما يليق بجلاله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
أما مثل كلام ابن حجر في حديث: {لا يمل الله حتى تملوا} قال: هذا لا ينسب وإنما هو من باب المقابلة فهو تأويل، وما فعل الأشاعرة إلا تأويل، والمعتزلة مؤولة إذاً: فالقول الصحيح: نثبتها بأنه يفعلها بمن يفعل به على سبيل المقابلة والمشاكلة والمجانسة، ولا ننفيها عن الله تبارك وتعالى.