وإبراهيم عليه السلام يدخل على زنديق فيصارعه مصارعة الإيمان مع الإلحاد، ونحن -والله- في حاجة إلى أن نبث أفكار الإيمان، وأن نغرسها أكثر من حاجتنا إلى هذا الترقيع الدعوي من مطاردة جزئيات المعاصي في الناس، وما أتت المعاصي إلا يوم ضعف الإيمان تبرج وسفور، وتناقض على الشريعة، وتخلف عن الصلاة، واستماع الغناء، واقتناء المجلة الخليعة، وصحبة الفسدة، والإعراض عن القرآن، ومحبة الكفار، والتهور في الزنا والربا كل هذا لما ماتت شجرة الإيمان، فأين داعية الإيمان؟ وأين العالم الذي يحمل الإيمان؟
أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك
محفل الدنيا محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك
فالعالم يحتاج لك، لابد أن تبدأ كما بدأ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
إبراهيم عليه السلام يدخل على زنديق في قصره، وهذا فيه دليل على أن الداعية عليه أن يتحرك ليدخل على أهل الباطل في أوكارهم، ولا يبقى بمسبحته في محرابه، فلن يأتيه أهل الباطل أبداً فيدخل إبراهيم عليه السلام، فهل يبدأ للزنديق عن تربية اللحية، أو تقصير الثوب، أو سنة الضحى، أو السواك؟ لا الأمر أكبر من ذلك، الأمر إيمان وكفر، الأمر لا إله إلا الله أو لا إله والحياة مادة.
اسمع إلى القرآن وهو يصور جزءاً من المعركة، مناظرة ساخنة حارة تفجر الجدران، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258] يا ملحد! إن لي رباً له صفات لا توجد فيك يا ملحد! أنا لي إله قادر لا تملك من صفاته شيئاً، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] يا للسخف! يا للتخلف! يا للفكر العفن! يا للعنة إذا طوقت فكر صاحبها! أنت تحيي وتميت؟! جدلاً سلمنا لك: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَر} [البقرة:258] وانتصرت لا إله إلا الله، وبهت الذي كفر، ودوت لا إله إلا الله، وانهزم الذي كفر، وارتفعت لا إله إلا الله.
يا غارة الله جدي السير مسرعة في سحق أعدائنا يا غارة الله
{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].