الفائدة الحادية عشرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رعى الغنم:
فقد كان سيد المتواضعين، وكان يعلن حالات الفقر والذكريات الأولى التي مرت به في أول حياته؛ فإن بعض الناس إذا رفعه الله في الدنيا وتولى منصباً أو تصدر في الناس أو توجه، لا يذكر ذاك الماضي، كأنه نشأ في هذا النعيم منذ نعومة أظفاره، وكأنه ما عرف البؤس ولا الجوع؛ لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: {رعيت الغنم على قراريط لأهل مكة لـ ابن أبي مُعَيط}.
وعمر بن الخطاب خطب في الناس، فلما خطب فيهم قال: [[من أنا؟ قالوا: أنت أمير المؤمنين، قال: أنا عمر بن الخطاب، كنتُ أُدْعَى في الجاهلية عميراً، كنتُ أرعى على قراريط لآل أبي مُعَيط الغنم، فلما انصرف قال ابنه عبد الله: ما حملك على ما فعلتَ؟ قال: لما رأيتُ الجموع أمامي أعجبتني نفسي، فأردتُ أن أكسرها]].
وفي فتح مكة أتت بنت قيلة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فرأت الرسول عليه الصلاة والسلام فأُرْعِدت فرائصُها، وخافت من هيبته، فقال: {هَوِّنِي عليكِ} وعند أحمد: أنه رجل، قال له: {هَوِّنْ عليكَ، فإني ابن امرأة كانت تأكل القَدِيْدَ بـ مكة} عليه الصلاة والسلام.
نعم، كانت تأكل القديد بـ مكة؛ لكن أصلح الله على يديك البشرية، ورفع على يديك معالم الإنسانية، وزعزع بفضله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ثم بإرسالك معالم الوثنية.
ذكروا عن الإمام أحمد: أنه خرج إلى السوق، فأراد الناس أن يحملوا الحطب عنه، وكان على ظهره، فقال: نحن قوم مساكين، لولا ستر الله لافتضحنا.