يقول أحد شعراء الإسلام:
وإذا دعيت لريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
إذا أتيت لريبة في ظلمة، أي أنك وحدك لا يراك إلا الله وما معك إلا الله، ولا يشاهد حركاتك وسكناتك إلا الله، تظن أنك خلوت، وأنك انفردت، وأنك أصبحت في مكان فريداً، ووالله ما انفردت، بل معك رقيب وعتيد، ومعك الذي لا ينام، ومعك الذي لا يغفل، ومعك الذي لا ينسى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فاعلم أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
ولذلك ورد في بعض الآثار: أن رجلاً اختفى في غابة وهمَّ بمعصية، فقال: لا يراني أحد، أنا في غابة وحدي، وقد تسنت لي المعصية، فسمع هاتفاً يهتف: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] ولذلك يقول ابن مسعود: [[الله الله في السرائر، الله الله إذا خلوت]] يقول الإمام أحمد وقد أغلق عليه البيت -وهو الإمام أحمد الزاهد الكبير، والعالم النحرير- فقال تلاميذه: فوالله إنا نسمعه يبكي من وراء البيت، وهو يقول:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
وصاحب هذا البيت أبو نواس، الذي تسمعون عنه والذي عندما توفي رئي في المنام، كما في البداية والنهاية قالوا: ما فعل الله بك يا أبا نواس؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة.
قالوا: بماذا؟ قال: وصفت الزهرة.
-قصيدة اسمها: القصيدة النرجسية، في ديوانه- ورددت أمرها إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقلت: إنه هو الذي أبدعها وزينها، وحلاها وجملها، فغفر الله له بذلك السبب؛ ولذلك بعض الأسباب السهلة في حياتك تستطيع أن تدخل بها الجنة.
رجل من بني إسرائيل، رأى غصن شوك من شجرة في طريق الناس، فرفعه عنهم، فأدخله الله بذلك الجنة.
ويقول ابن كثير في البداية والنهاية: رئي جرير بن عطية الشاعر المشهور في المنام بعد أن توفي، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة.
قالوا: بماذا؟ قال: أذنت وحدي في البادية حيث لا يراني إلا الله.
أذن في البادية للصلاة الأذان الذي فتحنا به الدنيا، الأذان الذي أرسلناه نغماً في آذان البشرية، الأذان الذي تهاوت به أصنام الوثنية، وأصبح شبابنا الآن يخجلون إذا ذهبوا في رحلة من الرحلات وفي سفر من الأسفار أن يؤذنوا، يقول أحدهم: أنا لو أذنت أصبحت مطوعاً وأنا لست مطوعاً، وبمفهوم المخالفة أنه عاصٍ، يقول محمد إقبال شاعر الباكستان:
بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا
شباب الصحابة كادوا يقتتلون في معركة القادسية على الأذان؛ لأن مؤذنهم، عبد الله بن أم مكتوم قتل في المعركة وهو أعمى، وقد عذر الله الأعمى أن يحضر المعركة، فقال: والله لا بد أن أحضر المعركة، فلما حضر المعركة قتل في سبيل الله، فكاد شباب الصحابة أن يقتتلوا على الأذان؛ لكننا الآن أصبحنا نخجل أن نتقدم وأن نؤم الناس، وأن نصلي بهم على المنابر، وأن نؤذن بالناس، ونقول: نحن لسنا مطاوعة، نحن شباب متطور أو متهور، فألغينا هذه الوظائف التي رفعت رءوسنا بين الأمم.
الشاهد هو: أن المعصية دمار لمستقبل الإنسان، وأنها إنهاء وعقاب وغضب من الله.
خرج موسى عليه السلام الأمين القوي، صاحب أكبر صراع في تاريخ الإنسان مع فرعون، خرج يستسقي لبني إسرائيل، فلما استسقى لهم قال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا.
أوحى الله إليه: يا موسى! عد ببني إسرائيل، فبعزتي وجلالي لئن لم تعد بهم لأرمينهم بالحجارة على رءوسهم، أكلوا الربا، وفشا فيهم الزنا، وتواصوا بالفحش والعهر، فبكى موسى عليه السلام، وقال: يا بني إسرائيل! عودوا لا يلقين الله عليكم الحجارة على رءوسكم.
فلما انتشرت فينا المعاصي قلَّت بركاتنا، وقل ذكاؤنا وفهمنا، حتى أصبح أهل الدنيا أكثر إنتاجاً منا، أيُّنَا أكثر؟ نحن أو أوروبا إنتاجاً وتصديراً وتوريداً؟ وأمريكا هم أكثر منا؛ لأننا تساوينا نحن وإياهم في المنهج، فغلبونا في أسباب الدنيا والله يقول فيهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].